تأملات قرآنية ـ تأملات في سورة الكوثر ـ 2
الأستاذ صالح السعود
(إنا أعطيناك الكوثر)..
(فصل لربك وانحر)
فإذا تمت النعمة وجب الشكر ، وبالشكر تدوم النعم ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) {إبراهيم:7}
وفرق بين من أفنى حياته في طلب ( التكاثر ) فألهاه عن ذكر ربه ( أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ المَقَابِرَ) {التَّكاثر:1 -2} ، وبين من أعطاه الله الكوثر هبة دون مقابل ( هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) {ص:39} ..
ومع ذاك ، وقبل أن يغتر ( المتلقي ) بالكوثر ، يبادره السياق ( أعطيناك .. فصل ) قبل أن تنشغل بتعداد النعم ويضيع عليك المنعم ..
ورغم أن ( المتلقي ) يعلم أنه لن يفي بحق المعطي ، وأن المعطي لا ينتظر منه جزاءً ، إلا أن السورة الكريمة تقدم له طريقة استقبال العطية وكيفية التفاعل معها .. وتبنيهما على عمودين من نور ، ( أعطيناك ) ( فصل .. وانحر )، ومدى تفاعلك مع هذين الفعلين يتكثّر عندك ( الكوثر )
ولعل هذين العملين سر بقاء العطاء ، وقد قال الله تعالى ( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) {الحج:41}
فهنا رمزان يتفرعان على العطاء ، أحدهما ( صلِّ ) وهو رمز التواصل مع المعطي ، والآخر ( انحر ) وقد يكون رمز التواصل الاجتماعي مع عباد المعطي .
(فصل)
( إنا أعطيناك .. فصلِّ ) والصلاة صلة بين العبد وربه ( فصل لربك ) ، ( صل ) ” صلاة تجمع جوامع معاني الصلاة و حقائقها، و تليق بساحة الربوبية .. الصلاة التي تنقطع بك عما سوى اللّه، و عن نفسك، ألّا يبقي فيها بينك و بين اللّه أحد- و لا نفسك- صلاة الفناء المحض () ”
وقد وفى رسول الله بهذا العمل ، وكانت الصلاة قرة عينه ، وبلغ إلى حيث قال الله تعالى له ( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) {المزمل:20}
ذلك لأن ” الصلاة قربان كل تقي () ” ورمز للتواصل مع الباري والانقطاع إليه
(لربك)
وفي العدول من ( أعطيناك فصل لنا ) إلى ( فصل لربك ) تسهيلاً للمتلقي ، وتذكيراً بربوبية الله وتربيته وإعطائه وفضله ، فهو الذي ربّاك ، وهو الذي أنعم عليك ، وهو الذي ( أعطاك ) ، وهو وحده الذي يستحق عبادتك وانصرافك إليه ، وهو كذلك عزك وفخرك ..
ـ يتبع ـ