كشكول الوائلي _ 23

img

قصة طالوت وجالوت

“وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكآ قَالُوا أنَّى يَكُونُ لَهُ المُلْك عَلَيْنَا وَنَحْنُ أحَقُّ بِالمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنْ المَالِ قَالَ إنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي العِلْمِ وَالجِسْمِ”.

فالآية تنقل لنا أن نبيّآ اسمه صومئيل في أيام داود (عليه السلام) قالوا له: أن تتولّى تبليغنا فلا إشكال، ولكن قضايا الحرب نريد لها قائدآ خاصّآ يصلح لها. فأطرق النبي، واُوحي له أن ينصّب طالوت، فكان هذا الحوار الذي نقلته الآية، وهذا ملخصه. والعبرة منها كما يصطلح عليه الآن (وضع الرجل المناسب في المكان المناسب)، أي ترك الاُمور لأهلها من أصحاب التخصّص والفن؛ فالتأريخ له أهله، والفقه له أهله، والطب له أهله إلى آخره.

ولو سارت الإنسانيّة على هذا النهج لكان خيرآ لها، ولكن المشكلة هي قيام المسألة على الأهواء وتصرّف البعض في غير تخصّصه، وأصبح الحال الآن عبارة عن إنسان يعلم ولا يتكلّم، وآخر يتكلّم بدون علم. ولنوضّح ذلك بمثال فنقول: العلم ينقسم إلى قسمين: نظري وآخر مهارات يكتسبها الإنسان بالتجربة والتطبيق، فإذا اجتمعا بلغ الإنسان الذروة في الكمال. فالإمام علي (ع) نزل إلى الحرب عندما أعلن النبي (ص) كلمة «لا إله إلّا الله»، فكان مع النبي (ص) في دعوته؛ في سلمه وحربه، وكان عمره عشر سنوات إلى أن لحق بربّه وعمره ثلاثة وستون عامآ، خمسون عامآ منها كلّها تجارب في الحرب قضاها بما فيها من نبل وأخلاق، مع أن بعضهم يتصوّر أن نبل الإمام ضعف أو عدم استيعاب لفنون الحرب، فهناك معارك لم يتبع فيها أعداءه ويقطع دابرهم، حتى إن الإمام يذكر ذلك ويسفر به «حتى لقد قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له في الحرب، لله أبوهم، وهل أحد منهم أشدّ لها مراسآ وأقدم فيها مقامآ منّي؟ لقد نهضت إليها وما بلغت العشرين، وها أنا ذا قد ذرفت على الستين».

فنظريّاته المنبثة في (نهج البلاغة) عن الحرب نتاج وحصيلة خبرة خمسين سنة.

وبالجملة فإن الرجل المناسب يفرض نفسه في موقعه، أما إذا كانت مسألة هوى فإنّا لله، ومن ذلك أن معزّ الدولة أبا الحسين كان له غلام تركي صبي اسمه «تكين الجامدار»، وكان يهواه، فأخذه وجعله قائدآ للجيش وأعطاه منطقة، فقال أحد البغداديين:

ظبي يرقّ الماء في *** وجناته ويرقّ عودُهْ

ويكاد في شبه الاُنو *** ثة فيه أن تبدو نهودُهْ

ناطوا بمعقد خصره *** سيفآ ومنطقة تؤودُهْ

جعلوه قائد عسكر *** ضاع الرعيل ومن يقودُهْ

فإذا قاد الهوى وغلب ضاعت الحقائق والقيم ووضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب. فهؤلاء يقولون لنبيّهم: “أنَّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أحَقُّ بِالمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنْ المَالِ” فيقول لهم النبي: إنكم تقحمون أشياء ليست لها علاقة بالحرب مثل (فقير)، و(نسبه غير عالٍ)، فلا علاقة لهذا بفنون الحرب والعبقريّة، بل إن أكثر العباقرة كانوا فقراء فكان أن أجابهم: “إنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ” إلى آخره.

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة