كشكول الوائلي _ 22

img

عتق العبيد

وله (عليه السلام) في قلب المدينة موقف آخر فقد مرّ يومآ في المدينة ووراءه حشد من العبيد؛ لأنه كان عنده إصرار غريب على عتق العبيد كما كان يصنع الإمام علي 7 حيث إنه 7(عليه السلام) كان يأخذ صدقات أبي نيزر والبغيبغاء ويشتري العبيد ثم يعتقهم، فالإمام زين العابدين (عليه السلام) كان يجمع عبيده في وقت الإفطار ويسقيهم الماء ويجلس معهم على الطعام، وإذا أذنب أحدهم ذنبآ ذكّره به، فيخاف العبيد، وفي آخر ليلة وهي ليلة العيد يجمعهم ليدعوا له حيث يقول لهم: «قولوا: اللهمّ اعفُ عن علي بن الحسين كما عفا عنّا». فيعتقهم ويعطيهم شيئآ من المال ويأمرهم بالعمل ويقول: «استعن بها على دهرک، أصلح الله لک أمرک فيها».

شامي يشتم علياً

فكان أن نظر إليه شامي ومعه العبيد فقال: من هذا؟ قالوا: علي بن الحسين. فجعل يشتم أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال له السجّاد (عليه السلام): «إن كنت صاحب حاجة قضينا حاجتک». ثم ضيّفه الإمام، فخرج الرجل وهو يقول: والله أنت وأبوک أحبّ الناس إليّ.

وهكذا كان أهل البيت : في نبلهم الذي يصل حتى إلى حدّ العطف على أعدائهم، وكرمهم حتى للنفوس التي حرمتهم من الماء:

حبتنا معالينا نفوسآ أبيّةً *** سمونا فما يومآ ألِفنا دنيّةً

إليكم بربّ الخافقين سليّة *** (ملكنا فكان العفو منّا سجيّةً

ولمّا ملكـتم سـال بالـدم أبطـح)

عبادة زين العابدين

هذا عطاء علي بن الحسين (عليه السلام) في كلّ جوانبه ..في عطائه العلمي ..في عطائه الاجتماعي، أما في عطائه العبادي فصحيفته خير شاهد. فتلک الفترة التي عاشها علي بن الحسين (عليه السلام) كانت قد طغا فيها الجانب المادي؛ لأن الاُمويين ركزوا على مجتمع المدينة بشكل واضح لطمس معالم الدين عنه، أقرأ في (الأغاني) وفي (صبح الأعشى) وفي كتب التأريخ الاُخرى وانظر إلي أي مدىً وصلت المدينة في هذه الفترة من بعد الانفتاح والفتوحات وازدياد الخيرات، فنزل الإمام (عليه السلام) في هذه الفترة ليحقّق عملية التوازن بمدرسته الفقهيّة والعباديّة والأخلاقيّة عن طريق الدعاء، هذا العطاء الذي ليس كمثله عطاء، كان (عليه السلام) في الليل يقرأ مثل هذه الكلمات: «يامن يرحم من لا يرحمه العباد، ويقبل من لا تقبله البلاد، يامن لا يحتقر أهل الحاجة إليه، ويا من لا يخيّب الملحّين عليه، يامن لا يجبَهُ بالردّ أهل الدالّة عليه، ويا من يجتبي صغير ما يتحف به ويشكر يسير ما يُعمل له، ويامن يشكر على القليل ويجازي بالجليل».

يقرأ هذا الرافد المعين السلسبيل، والعطاء الذي لا يقف عند حدّ حتى ينبلج عمود الفجر، ثم يرفع رأسه: «إلهي قد انقشع الظلام ولم أقضِ من خدمتک وطرآ، ولا من حياض مناجاتک صدرآ»، ثم يقول: «أولج قلبي فرح الإقبال عليک، وألحقني بميدان المطيعين لک».

فهذا زين العابدين (عليه السلام) وهو يحمل الروح التي انفصلت من روح محمد من سعة ومن إحاطة ومن عطف على المسلمين.

يتبع…

 

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة