كشكول الوائلي _ 20

img

البنت والجاهلية

فإن كثيرآ من مواقف حملة الإسلام الأوائل كانت متأثّرة بقيم الحضارة السابقة، وهي قيم الجاهليّة، وهناک في بعض المجتمعات العربيّة إلى هذا الوقت من يتحدّث عن المرأة بصورة سلبيّة، متأثّرآ بتلک القيم الغابرة.

ولقد لاحظ المستشرقون الدارسون لتاريخ المجتمع العربي في الجزيرة أن الشاعر يصف عددآ من الصور المفتعلة، كما في الأبيات التالية:

القبر أخفى سترةٍ للبناتْ *** ودفنها يُروى من المكرماتْ

ألم ترَ الرحمن عزَّ اسمه *** قد وضع النعش بجنب البناتْ

وهو يعني أننا ننتظر المرأة ساعة الولادة، فإن ولدت ذكرآ أخذناه، وإن ولدت اُنثى دفنّاها. وأمثال هذا الشاعر كانوا قد عاشوا في كنف حضارة تضع المرأة في مرتبة منحطّة عن الرجل؛ لذلک لم يكن لها نصيب من الميراث مثلا، أو تكون قليلة القيمة إذا ولدت اُنثى. وقد نقل القرآن الكريم هذه الصورة: “وَإذَا بُشِّرَ أحَدُهُمْ بِالاُ نثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّآ وَهُوَ كَظِيمٌ”.

وقد تأثر المستشرقون بهذه الصورة، ونقلوها على أنها تمثّل نظرة الإسلام إلى المرأة، وادّعوا بأنه ـ أي الإسلام ـ ينظر إلى المرأة هذه النظرة المنحطّة، دون أن يفرّقوا بين قيم الجاهليّة المتأصّلة في نفوس المجتمع الجاهلي، وبين القيم التي ينطوي عليها الإسلام وإن لم تكن واضحة في المجتمع الإسلامي الأول بخصوص النظرة إلى المرأة من قبل هذا المجتمع، ذلک أن تلک القيم الجاهليّة ـ كما أسلفنا ـ كانت متأصّلة في نفوس الناس، وليس من السهل إزالتها بسرعة.

جوابه (عليه السلام) في زواجي الرسول من زينب

ومثال آخر سأله رجل: لماذا تزوّج رسول الله زينب بنت جحش؟ هل كان يعشقها؟ فأجابه الإمام (عليه السلام) بجواب مفاده أن هذه ابنة عمّته وهو يعرفها، ولو أراد أن يتزوّجها لفعل، ولكن الرسول أراد أن يكسر بها عرفآ جاهليّآ وهو مسألة التبنّي، إذ كان العرب إذا تبنّى أحدهم أحدآ فإنه يورّثه، وهذا المتبنّى لو تزوّج فإن متبنّيه لا يتزوّج من زوجته فيما لو توفّي.

فكان الإمام (عليه السلام) يتصدّى لمثل هذه الأسئلة ويجيب عنها موضّحآ مواضع اللبس فيها. وهكذا كان نشاطه الفقهي والعقائدي؛ فقد كان (عليه السلام) يتعاهد القرّاء، وكمثال على ذلک يقول سعيد بن المسيب: كنا لا نخرج إلى الحجّ حتى نمضي لزين العابدين ونحن ألف قارئ، فكان (عليه السلام) يستقطب القرّاء في مسجد النبي ويجيب على أسئلتهم في حلقاته الدراسيّة.

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة