كشكول الوائلي _ 19

img

أهل البيت والشهر الحرام

أما الجانب الثاني فهو إصرار أهل البيت: على الاحتفاء بهذا الشهر، مع أن البعض يتصوّره موسمآ للبكاء، وهذا غير صحيح؛ لأن الدمع لا يُرجع شيئآ فات ولو طال دهرآ، لكن الواقع أن الأيمة: استغلّوا الجانب العاطفي في هذا الشهر؛ لأنه الوسيلة الممكنة لإحياء النفوس وتوجيهها للنظر إلى قضيّة الحسين (عليه السلام). فهم : حرصوا على أن يتركوا في وجدان كلّ مسلم شيئآ من نهضة الحسين (عليه السلام) وشيئآ من واقعة الطفّ، وأن هناک في هذا الأمر قضيّة مقدّسة، وهذه القضيّة المقدّسة هي أن الحقّ ذُبح يوم ذبح الطفل، وأن الحضارة، ذُبحت على أيدي الاُمويّين.

قال الإمام الصادق (عليه السلام): «رحم الله من أحيا أمرنا»، وليس إحياء أمر آل البيت بالبكاء وحده، فهذا قليل جدآ، إذ الأمر المناط بالمسلم هو أن ينصهر مع المفاهيم التي من أجلها نهض الحسين (عليه السلام) في ثورته المباركة، يوم قارع الظّلم من أجل الحقّ.

فإذن إصرار أهل البيت : على استغلال هذا المأتم لدعم الحقّ والوقوف بوجه الباطل كان لهذا الجانب الذي أوضحناه، ومن يظنّ غير ذلک فهو واهم.

ومن جهة اُخرى وظّفوا : هذا المأتم لا من أجل الدمع فقط، بل أيضآ لتقديس آثار الطفّ، ومن بينها تربة الحسين (عليه السلام)، فقد قال رسول الله 9: «جعلت لي الأرض مسجدآ وطهورآ»، وكان أمرهم : بالصلاة على هذه التربة هو لجعل المسلم على اتّصال بالقضيّة، قضيّة صراع الحقّ مع الباطل، كما أن الوقوف على الأطلال كما هو معروف يولّد النظر والكثير من العبر. والموضوع كلّه لا يخلو من إيحاء بالقيم التي قدّمها الحسين (عليه السلام) يوم الطفّ، فقد وقف هناک موقفآ غاية في الصلابة وغاية في التضحية، وقد مثّل المروءة، وهو ينظر إلى الجيش، إذ جاءت إليه اُخته زينب وعيناها دامعتان.

فإذن أهل البيت : كانوا يستعملون مختلف الوسائل كي يشدّونا إلى واقعة الطفّ وإلى معانيها، ومن جملة الوسائل التي وظّفها آل البيت : في سبيل ذلک الغرض الشعر، فحين تقرأ قصيدة في هذا الموضوع تجد فيها معاني جديدة من إصرار على الحقّ، ليشدّ الناس إلى واقعة الطفّ، كما يقول الشاعر:

مررت على أبيات آل محمد *** فلم أرَها أمثالها يوم حلتِ

فلا يبعدِ الله الديار وأهلها *** وإن أصبحت منهم برغمي تخلتِ

وإن قتيل الطفّ من آل هاشم *** أذلّ رقاب المسلمين فذلّتِ

فمن يتصفّح أدب الطفّ، يجد أدبآ عاصر المأساة، ونقل الحقّ والمواقف، ونقل درسآ من الدروس.

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة