كشكول الوائلي _ 18

img

عبدالله بن الزبير ينعي ولديه

قاتل أبي لعلّي لا أصبر على رؤيته، فأرتدّ عن الإسلام.

فإذن مسألة طلب الثأر عريقة في نفوس هؤلاء وفي حضارتهم، وتظلّ الاُسرة تخشى العار إن هي تلكّأت في تنفيذه. ففي الجانب المدني من الحضارة يمكن تغيير وسائل الحياة، مثلا، الطائرة تحلّ بدلا من الفرس، لكن في الجانب الفكري والنظري من الصعب تغيير العقائد والعادات. وأضرب مثلا على ذلک، كان عندي مجلس يوضع فيه المنبر في مكان معيّن، وأحببت أن اُغيّر هذا المكان، فاعترض والدي وقال: أن وضع المنبر في هذا المكان هو عادة ثابتة، ولا أستطيع أن اُغيّر مكانه.

وعلى أيّ حال، كان رسول الله يعرف أن هذه الحالة متأصّلة في نفوسهم، لكن تمكّن من القضاء على جميع السلبيات، ومن بينها مسألة سفک الدماء، وذلک حين تم تثبيت مسألة الأشهر الحرم؛ وتأكيدها واحترامها.

وحين وصل الاُمويّون إلى الخلافة، ماذا يمكن أن يُتوقع حصوله منهم سيّما إن كان رئيس الدولة هو القانون؟ وماذا تنتظر من الناس ومن الرعيّة؟ جاء هؤلاء إلى البيت الحرام وإلى الشهر الحرام وإلى الدم الحرام، فماذا فعلوا؟

لقد أباحوا حرمة الجميع، فهذا عبد الله بن الزَّبير البصري له ولدان، صرعوا في كربلاء، يخاطب ابنته بعد فقد أولاده ويقول:

يافرو قومي فاندبي *** خير البريّة في القبورِ

وابكي الحسين مع النهو *** ض مع التنفس والزفيرِ

قتلوا الحرام من الأيمّـ *** ـة في الحرام من الشهورِ

الأمويون والحرمين

فالواضح إذن أن الاُمويّين لم يراعوا حرمة الشهر الحرام، وكذلک فعلوا بالكعبة التي ليس عند المسلمين مكان أكثر حرمةً منها؛ فهي قبلة كلّ مسلم ومأوى كلّ المسلمين، وهذه الكعبة قد تعرّضت إلى سفک الدماء من قبل الاُمويّين، وتعرّضت أيضآ إلى ضرب المنجنيقات أكثر من مرّة، ووصل الأمر إلى أن تحرق نهائيّآ. ومن الغريب أن يمرّ التاريخ على هذه المسألة ويتعامل معها ببرود قاتل.

وكذلک حال المدينة فهاهو الوليد بن عبد الملک يأمر بهدمها، وهاهو مسرف يصل إليها ويجعل الدماء تجري فيها حتى تصل قبر النبي، وهذا شيء غريب، إذ أن الشهر الحرام والبلد الحرام كانت تحترمهما حتى العرب في جاهليّتها.

ولهذا حاول الحسين (عليه السلام) أن يخفّف قليلا من وطأة المصيبة، فأراد أن يبتعد عن الكعبة؛ لأنه لو بقي في مكّة، كما أشار عليه جماعة، لكان قد سُفک دمه داخل الكعبة، وقد قال (عليه السلام): «لو بقيت متعلّقآ بأستار الكعبة لأراقوا دمي».

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة