تكملة الوصايا الثمان ـ 6

img

أفضلية الكلام

سئل السجاد× عن الكلام والسكوت أيهما أفضل؟ فقال×: «لكل واحد منهما آفات، فإذا سلما من الآفات فالكلام أفضل من السكوت» قيل: وكيف ذلك يابن رسول الله‘؟ قال: «لأن الله عز وجل ما بعث الأنبياء والأوصياء بالسكوت، إنما بعثهم بالكلام، ولا استحقت الجنة بالسكوت، ولا استوجبت ولاية الله بالسكوت، ولا توقيت النار بالسكوت، ولا تجنب سخط الله بالسكوت، إنما ذلك كله بالكلام، ما كنت أعدل القمر بالشمس، إنك تصف فضل السكوت بالكلام ولست تصف فضل الكلام بالسكوت»([1]).

آفات اللسان

الأول: وهو أهونها التكلم في المباح، وهو تضييع للعمر الشريف، ويحاسب عليه، ويكون قد استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.

وروي أن لقمان دخل على داوود× وهو يسرد الدرع ولم يكن رآها قبل ذلك، فجعل يتعجب مما يرى، فأراد أن يسأله عن ذلك فمنعته الحكمة، فأمسك نفسه ولم يسأله، فلمّا فرغ قام داوود ولبسها فقال: نعم الدرع للحرب. فقال لقمان: الصمت حكم، وقليل فاعله([2]).

الثاني: الخوض في الباطل ﴿وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ﴾ [المدثر: 45]. وهو الخوض في المعاصي ومجالس الخمر والفساق. وفي الحديث: «أعظم الناس خطايا يوم القيامة هو أكثرهم خوضاً في الباطل»([3]). ومنه الفحش والسب وبذاتة اللسان والسخرية ﴿لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ﴾ [الحجرات: 11].

الثالث: المزاح الكثير المسبب للتباغض، أما اليسير في غير معصية فلا بأس به. يقول الرسول‘: «إني لأمزح ولا أقول إلا حقاً»([4]).

وروي: أتته عجوز فقال لها: «لا تدخل الجنة عجوز». فبكت. فقال‘: «إنك لست يومئذٍ بعجوز، قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا﴾ [الواقعة: 35 ـ 36]»([5]).

وروي أنه كان يأكل رطباً مع ابن عمه أمير المؤمنين×، وكان يأكل ويضع النوى أمامه، فلما فرغا كان النوى كله مجتمعاً عند علي× فقال له: «يا علي إنك لأكول» فقال له: «يا رسول الله الأكول من يأكل الرطب ونواه»([6]).

الرابع: الكذب والغيبة، يقول تعالى: ﴿يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ [الحجرات: 12].

الخامس: الغناء؛ لقوله تعالى: ﴿وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ [الحج: 30]، قال الصادق×: «هو الغناء»([7]). وقال الباقر×: «الغناء مما وعد الله عز وجل عليه النار»، وتلى هذه الآية: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ([8]) [لقمان: 6].

السادس: قول الشعر في الباطل، والشعر مكروه للصائم إلا إذا كان في أهل البيت^ في مراثيهم ومدائحهم. وقد دخل الكميت ابن يزيد الأسدي على الإمام الباقر× وقال له: إن عندي قصيدة أُريد أن أنشدها. فقال له: نحن في الأيام البيض. فقال له: هي فيكم خاصة. فقال: «هاتها». فأنشد:

أضحكني‏ الدهر و أبكاني *** و الدهر ذو صرف وألواني
‏لتسعة بالطف قد غودروا *** صاروا جميعاً رهن أكفاني

فبكى الإمام الباقر وقال: «من قال فينا بيتاً من الشعر فهو في الجنة». ثم أنشد:

«و تسعة لا يتجارى بهم‏ *** بني عقيل خير فرساني‏
ثم علي الخير مولاهم‏ *** ذكرهم هيج أحزاني»

من بكينا عنده ففاض منه ولو مثل جناح بعوضة غفر الله ذنبه. فأنشد

من‏ كان‏ مسروراً بما ساءكم‏ *** أو شامتاً آناً من الآني
فقد ذللتم بعد عزّ فلا *** أدفع ضيماً حين يغشاني‏

فأخذ الباقر بيده وأقامه رفع يده وبيده قائلاً: «اللهم اغفر للكميت ما تقدم من ذنبه وما تأخر». ثم أنشد:

متى‏ يقوم‏ الحقّ‏ فيكم متى *** يقوم مهديّكم الثّاني‏([9])

____________________

([1]) الاحتجاج 2: 45. بحار الأنوار 68: 274/ 1.

([2]) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: 116.

([3]) المحجة البيضاء 5: 207.

([4]) المحجة البيضاء 5: 232.

([5]) المحجة البيضاء 5: 234.

([6]) التحفة السنية (مخطوط): 323. منهاج البراعة 6: 94.

([7]) الكافي 6: 431/ 1.

([8]) الكافي 6: 431/ 4.

([9]) كفاية الأثر: 249، وفيها: «الكميت بن ئابي المستهل» بدل «ابن يزيد الأسدي..».

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة