تكملة الوصايا الثمان ـ 5

img

الثاني: أن اللسان بواسطته نتعرف على ذوق الأشياء، فنتعرف به الحلو من المر من الحامض، والماصخ من المالح، والطيب من الرديء.

الثالث: أنه يحرس الجهاز الهضمي من كل ما يدخل إليه في الطعام والشراب من الزوائد والعظام وغيرها.

الرابع: أنه جندي الأسنان، فلولاه لانزوى الطعام في فضاء الفم، ولكنه يحرك الطعام إلى الأسنان فتقوم بمضغه وطحنه وإعداده للجهاز الهضمي.

الخامس: أنه جارحة النطق وآلة الكلام، يفرز الحروف ويقوّم الكلمات ويطرح الخطب وينشد الأشعار ويقرأ القرآن. يقول تعالى: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فإذا فرقناه فاتبع قرآنه﴾ [القيامة: 16 – 17].

وكان النبي يخشى أن يفوته شيء من القرآن، فكان يتابع جبرئيل إذا أنزل عليه شيء منه في قراءته كلمة كلمة، فنزلت الآية، أي لا تتابع جبرئيل في القراءة مخافة أن يفوتك شيء من القرآن، وضمن له أن يكون راسخاً في قلبه. يقول تعالى: ﴿سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى * إِلَّا مَا شَاء اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى﴾ [الأعلى: 6 ـ 7]. وحرف (لا) يفيد النفي لا النهي.

فجعل الرسول يستمع الوحي ثم بعد ذلك يقرأ فيجد القرآن حاضراً في قلبه

السادس: أن اللسان ينطق بما يكمن في القلب. يقول الأخطل:

إن الكلام لفي الفؤاد و إنما *** جعل اللسان على الفؤاد دليلاً([1])

 

وقال آخر:

لسان الفتى نصف ونصف فؤاده *** فلم يبقَ إلا صورة اللحم والدم([2])

كما يكفي اللسان شرفاً أنه ليس شيء من الأعضاء ينطق بذكر الله غيره، وقد أخبر القرآن والسنة أن الإنسان مسؤول عما نطق به اللسان. قال تعالى ﴿مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق: 18].

وتشير الآية إلى أهمية القول في حياة الناس، فربما كلمة غيّرت مسير مجتمع نحو الخير أو الشر؛ ولذلك نستغرب أن بعض الناس لا يعتبرون الكلام جزء من أعمالهم، ويرون أنفسهم أحراراً في الكلام، مع أنه من أخطر الأشياء في حياتهم

وكلمة (رقيب) معناها المراقب، و(العتيد) معناها المعد للعمل، ومعناها الادخار، ويعتقد أكثر المفسرين أنهما إسمان للملكين اللذين يكتبان الأعمال.

وفي الرواية أن الرسول قال‘ عندما سئل: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: «يا معاذ، وهل أكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم؟!»([3]).

يقول الشاعر:

جراحات السنان لها التئام *** ولا يلتام ما جرح اللسان

ويقول علي×:

إذا شئت أن تحيا سليماً من الأذى *** وحظك موفور وعرضك صيّن
لسانك لا تذكر به عورة امرءٍ *** فكلك عورات وللناس ألسن([4])

____________________

([1]) نقله عنه في تفسير الرازي 1: 20.

([2]) نقله عنه في تفسير الرازي 2: 201.

([3]) مسند أحمد 5: 231. سنن ابن ماجة 2: 1314/ 3973.

([4]) شرح رسالة الحقوق للإمام زين العابدين×: 108، وفيها: «منسوب إلى الشافعي وليس للإمام أمير المؤمنين علي×…».

ـ يتبع ـ

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة