تكملة الوصايا الثمان ـ 3

img

الأنصاري والفتاة

روي أن شاباً من الأنصار استقبل امرأة في المدينة، فنظر إليها مقبلة ومدبرة، فجازها وفكره عندها، فاعترض وجهه عظم في حائط فشجه فلم يشعر إلا والدماء تسيل على خده ووجهه وصدره وثيابه وهو لا يشعر بذلك. فأقسم أن يخبر الرسول‘ بما جرى له، وحين أخبره بهذه الواقعة، نزل جبرئيل× بالوحي وقرأ على الرسول‘ الآية: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ([1]) [النور: 30].

وكلمة (يغضّوا) مشتقة من «غضّ» من باب «ردّ»، وهي تعني في الأصل التنقيص، وتطلق غالباً على تخفيض الصوت وتقليل النظر؛ ولهذا لم تأمر الآية بتغميض العيون بشكل تام بحيث لا يعرف الإنسان طريقه بمشاهدته امرأة أجنبيه بل يرمي ببصره إلى الأرض فيصدق عليه الغض.

كما أن الآية لم تحدد الشيء الذي يستوجب غض النظر عنه أي حذف ما يقع عليه الفعل ليكون دليلاً على عموميته، أي غض النظر عن جميع الأشياء التي حرّم الله النظر إليها.

والمقصود من حفظ الفروج هنا العورة، وفي الحديث تغطيته ـ الفرج ـ عن الأنظار، وفي الحديث عن الإمام الصادق×: «كل آية في القرآن فيها ذكر الفروج فهي من الزنا إلا هذه الآية فإنها من النظر».([2])

فلسفة الحجاب

يمكن الإشارة إلى هذه المسألة في عدة نقاط:

النقطة الاُولى: إن تعري النساء وتجملهن يحرك شهوات الإنسان مما يسبب عدم تحمل الإنسان ورميه في طريق تفريغ الشهوات عن الطريق المحرّم.

النقطة الثانيه: إنه يسبب اضطراب أعصاب الإنسان المؤمن والإضرار به نفسياً مما يجعله ينكبت وينكمش على نفسه فيسبب ذلك انعكاس آثار سلبية عليه وعلى من حوله، والإسلام يريد له أن يطمئن نفسياً.

النقطة الثالثة: إن التعري يسبب كثرة الطلاق وتفكك الأسر؛ لأن الناس أتباع الهوى غالباً، فيرى نفسه يعيش بين نساء عديدات يتخير كل ساعة واحدة منهن فينهار بيت الأُسرة كما ينهار بيت العنكبوت.

النقطة الرابعة: انتشار الفحشاء وأبناء الزنا، وهما من أنكى نتائج إلغاء، الحجاب وهذا مرض استفحل في بلاد الغرب وفي بريطانيا فقط خمس مائة ألف سنوياً أولاد غير شرعيين. وقد حذّر العلماء من مغبّة هذه الحالة، حيث إن هناك أموراً كثيرة وأخطار عديدة تنعكس على المجتمع كما ثبت ذلك من خلال الملفات الجنائية.

وقد برهنت دراسات العلماء في التربية على ظهور عدم الالتزام للعفة، وتغشي الإهمال في المسؤوليات، وكثرة المشاكل في المنشآت التعليميه والمعلمية خاصة المختلطة.

النقطة الخامسة: سقوط قيمة المرأة، حيث التعري يتبعه الاهتمام المفرط بأدوات التجميل، والانحدار السلوكي، والتركيز على الجانب الجنسي في المرأة ونسيان قيمها الأٌخرى، وجعلها وسيلة إعلامية يروّج بها بيع السلع أو كسب السيّاح.

ولا شك أن هذا السقوط يفقدها كل قيمتها الإنسانية؛ إذ يصبح جمالها وكأنه المصدر الوحيد لفخرها وشرفها، حتى لا يبقى لها من إنسانيتها سوى أنها أداة لشهوات الآخرين، باسم الفن والشهرة والحفلات والمهرجاتات.

فعلى المرأة أن تلتفت إلى مكانتها وخمارها وعفافها في أفراحها وفي عملها وفي طريقها وفي بيتها.

وقد سوئلت الزهراء عن أي شيء هو خير للمرأة؟ فقالت: «أن لا ترى الرجل ولا الرجل يراها»([3]). ولقد اتفقت مع الإمام× وقالت له: «اكفني ما خارج الباب أكفيك ما داخله»([4]).

_______________________

([1]) التفسير الصافي 3: 430.

([2]) تفسير القمي 2: 101.

([3]) مناقب آل أبي طالب (لإبن شهر آشوب) 3: 119.

([4]) انظر المغني (لإبن قدامة) 8: 130. المصنف (لإبن أبي شيبة) 7: 7/ 28. شحر إحقاق الحق 25: 472.

ـ يتبع ـ

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة