تكملة الوصايا الثمان ـ 2

img

«وإذا كنت في بيت الغير فاحفظ عينك»

والنظر إلى الأجنبية حرام ولكن يشتد القبح عندما يكون الإنسان في بيت الآخرين؛ لأن صاحب البيت ربما يستحي أن ينهاك فيصير الجلوس في بيته حياءً فيحرم.

الأصمعي والفتاة

روي عن الأصمعي أنه قال: بينا أنا أسير في طريق اليمن إذا أنا بغلام أسير في الطريق، وإذا غلام واقف يمجّد الله تعالى بأبيات من الشعر:

يا فاطر الخلق البديع وكافلاً *** رزق الجميع سحاب جودك هاطل
يا مسبغ البر الجزيل ومسبل الـ
*** ستر الجميل عميم طولك طائل

قال: فدنوت منه وسلّمت عليه. فقال: ما أنا براد عليك حتى تؤدي من حقي الذي يجب لي عليك. قلت: وما حقك؟ قال: أنا غلام على مذهب إبراهيم الخليل× لا أتفدى ولا أتعشى كل يوم حتى أسير الميل والميلين في طلب الضيف. فأجبته إلى ذلك، فرحّب بي وسرت معه حتى قربنا من خيمته، فصاح: يا أختاه، فأجابته، فطلب منها أن تجهّز الطعام، فقالت: حتى أبدأ بشكر الله، فذبح الشاب ربيحة، وبينا أنا في الخيمة والفتات تجهز الطعام صرت أسارقها النظر فالتفتت إلى لحظاتي فقالت لي: مه أما علمت أنه نقل عن صاحب طيبة× أنه قال: إن زنى العينين النظر؟ أما إني ما أردت بهذا أن أوبخك ولكن أردت أن أؤ أدبك لكي لا تعود إلى مثل هذا.

فلما كان النوم سمعت دوي القرآن ثم سمعت أبياتاً بأشجن نغمة:

أبي الحب أن يخفى وكم قد كتمته *** فأصبح عندي قد أناخ وأطنبا
وإذ اشتد شوقي هام قلبي بذكره *** وإن رمت قرباً من حبيبي تقربا
ويبدو فأفنى ثم أحيا بذكره *** ويسعدني حتى ألذ وأطربا([1])

وقد أمر الله تعالى كلاً من المؤمنين والمؤمنات بغض البصر وحفظ الفرج ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾ [النور: 30] وقال تعالى: ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ [النور: 31].

وروي: إن عبد الله بن مكتوم جاء إلى النبي‘ وكان في بيت فاطمة÷، فلما أذن له اختفت فاطمة÷، فقال لها النبي: «إنه أعمى». فقالت: «إنه إن لم يرني فإني أراه، وقد قال الله تعالى: ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴾»، فسجد النبي‘ شكراً لله، وقال: «إنك يا فاطمة أول من عمل بهذه الآية»([2]).

والنظر مفتاح كل شر وباب كل فساد، وكم من نظرة جلبت حسرة ورمت الفؤاد سهماً صائباً. وفي الحديث: «النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، فمن تركها خوفاً من الله تعالى أعطاه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه»([3]). يقول الشاعر:

كل المخاطر مبداها من النظر *** ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة بلغت في قلب صاحبها *** كمبلغ السهم بين القوس والوتر
والعبد ما دام ذا طرف يقلبه *** كمبلغ السهم بين القوس والوتر
يسر مقلته ما ضر مهجته *** لا مرحباً بسرور عاد بالضرر

وهي بريد الزنا، يقول الشاعر:

نظرة فابتسامة فسلام *** فمــوعــد فلــقـــاء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) حياة الحيوان الكبرى 2: 212.

([2]) بحار الأنوار 43: 91/ 16.

([3]) مستدرك الوسائل 14: 269/ 16680.

ـ يتبع ـ

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة