تأملات قرآنية ـ تأملات في سورة الناس ـ 2
الأستاذ صالح السعود
بسم الله الرحمن الرحيم
قل أعوذ برب الناس، ملك الناس، إله الناس
(من شر الوسواس الخناس)
إضافة (من شر) عوض (أعوذ.. من الوسواس)، ربما تحكي صورة الصراع الحتمي بين (الخير والشر) في هذه الحياة الدنيا، وبها تكون الحرية للناس، والاختبار.. فقد يحولون الطاقة الإيجابية في نفوسهم إلى قوة شريرة مدمرة، وقد يحولون الطاقات السلبية من حولهم إلى طاقات موجهة (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) [آل عمران 173]
وإفراد (شر) بدل (من شرور)، يمثل إضعافاً أمام القوى الثلاثية المضافة للناس، فهو شر واحد في مقابل قوى ثلاث.
ويزيد (الشر) كبتاً وتهوينا، أنه يتحول من اسم الفاعل (من الموسوس) إلى (الوسواس)، وكأنه يغل في مكانه دون والوصول إلى الدور التمردي من الوسوسة والسيطرة، حين يواجه بالاستعاذة.
(الوسواس)
ولكن يظل (الوسواس) يعمل في النفوس الضعيفة، وغير المحصنة.
إذ أن كلمة (الوسواس) كلمة مضعّفة مكررة (وس واس)، وكأنها ترسم طبيعة العمل التكتيكي الحربي، الذي يتمثل في الحركة المراوغة والمتتالية، في حركة (الوسْ) الذي يتعقبه السكون، لتستأنف حركتها بقوة وامتداد (واس) فهي حركة دائبة وعشوائية، تعتمد على الكر والفر، والمراوغة والمباغتة، يسعفها في ذلك حرف (السين) المهموس، وكأنه يتسلل في خفية وجمال مموه، لدرجة أن صاحبه لا يعلم مصدره ولا غايته..
فـ(الوسواس)؛ صوت خفىّ موهوم يحدث في النفس، فيتغلغل حتى يسيطر على العقل، وقد يبدأ بالتشكيك، ويتمادى حتى يصير إلى الإنكار، واليقين المقلوب.
وبذلك يستطيع هذا الوسواس أن يستحكم على القوة العاقلة للناس، فيسيطر على عقولهم وأفكارهم، ويجعلهم يتحركون مخدرين حيث يريد لهم..
(الخناس)
صيغة مبالغة، من كثرة الخنوس والاختباء، وتكراره، يسفر عن الفرار والاندحار والخنوس أمام إشراقة القوى الثلاثية المضافة للناس.
إلا أنه بما يملك من قوى تدميرية ماكرة، يسعى جهده لتطوير الصراع، حيث يبدأ في مزاولة الوسوسة، ليتحول من الاسم (الوسواس) إلى الفعل والحدث..
(الذي يوسوس)
حيث يتحول (الوسواس) إلى حدث مضارعي (يوسوس)، يحمل في أحشائه الفاعل (يوسوس الوسواس)، حينها يبدأ في شن حربه الماكرة، والتحرك الفعلي نحو الهدف، والهدف هنا هو..
ـ يتبع ـ