كشكول الوائلي _ 17

img

إذن هذا اللون من الحياة غير المستقرّة تنعكس عنه أوضاع اجتماعيّة أيضآ مثل تلک التي يصفها أمير المؤمنين (عليه السلام): «وكنتم على شرّ دين وفي شرّ دار، الأصنام فيكم منصوبة، والآثام فيكم معصوبة، تسفكون دماءكم وتقطعون أعماركم».

وهذه الصورة تعبّر عن وضع اقتصادي غير ثابت، ولمّا لم يكن هناک استقرار في حياتهم فإنها قامت على الرمح والسيف، وسفک الدم. ولكن الإسلام عندما جاء وجد عندهم عادة رائعة وطيّبة، ذلک أن بعض الأشهر يعتبرونها أشهرآ حرمآ، وفي هذه الأشهر لا يقاتلون بعضهم البعض، ويمنعون فيها سفک الدماء والقتال والحرب. وبما أن الإسلام لا يملک عداءً مع العادة التي ترفع الفعل الإنساني إلى مستوى القيم أقرَّ هذه العادة، وأمره بحفظ الدماء من أن تسفک، وبالتالي حفظ الأعمار من أن تقطع.

فهذه العادة ليست من مبتكرات الإسلام؛ لأن الأشهر الحرم كانت موجودة في الجاهليّة، وكان العرب يطلقون على شهر المحرّم اسم شهر المؤتمر، لأنهم كانوا يأتمرون فيه، فيجتمعون ويتبادلون فيه الآراء لحلّ مشاكلهم بشكل سلمي بدون قتل ولا قتال. ولمّا جاء الإسلام أكّد هذا المعنى وأقرّه، معتبرآ أن لهذه الأشهر الحرم حرمة، حيث إن العرب في الجاهليّة، كانوا ملتزمين بذلک، حتى إن أحدهم كان يرى قاتل أبيه وقاتل أخيه ولا يستطيع أن يهيجه بأذى. وكان هذا أمرآ صعبآ جدّآ؛ لأن تأصّل الثأر في نفوس العرب كان عميقآ جدّآ، فلا يجب اعتبار ترک الثأر في هذه الأشهر أمرآ سهلا على نفوسهم.

غنائم بني النضير

روي أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) عندما كان في المدينة، كان مجتمعها بيده، غير أنّ هذا المجتمع كان غير متوازن اقتصاديّآ، فأهل المدينة عندهم أموال وبساتين ومحالّ تجاريّة، أما المهاجرون فقد جاؤوا إلى مكّة فقراء، لا يملكون شيئآ، حيث إن قريشآ قد سلبتهم كلّ شيء، وقد تلقّاهم الأنصار وآخوهم امتثالا لأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم). وعندما حصل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) على سبي بني النضير، أخذ منهم الأموال ووزّعها على المهاجرين فقط إلّا قليلا من الأنصار الفقراء. ولم يتوصّل باقي الأنصار إلى مغزى ذلک؛ إذ كان هدف الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) هو إقامة التوازن الاقتصادي، بعد أن كان التباين الاقتصادي بين المهاجرين والأنصار ينعكس عنه أوضاع اجتماعيّة سيّئة، فهناک من له ثروة كبيرة وهناک من يعيش في فقر مدقع، وطبعآ الثروة الكبيرة تحتاج إلى تصريف لجني الأرباح، ولابدّ من أعمال غير نظيفة لذلک الغرض.

ومن أجل خلق أوضاع اجتماعيّة مستقرّة، عبر إيجاد نوع من التوازن الاقتصادي، وزّع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) الأموال من سبي بني النضير على المهاجرين وبعض الأنصار الفقراء.

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة