كشكول الوائلي _ 12

img

ضمير عبدالملک بن مروان

إن البراثن تحكّمت في الدّماء والأموال والأعراض، وسأضرب لک مثلا على ذلک، يقول عبد الملک بن مروان: كنت أمشي في بستان لي، فإذا وقعت رجلي على جندب ـ أي جرادة ـ وسحقتها فإن ضميري يؤنبني، فيما الآن يكتب لي الحجّاج أنّه قتل فلانآ أو ذبح أمة، لكن ضميري لا يتألّم. ومعنى هذا: أن الدماء عنده أمر عادي.

أما من ناحية الأموال، فإنَّ واليآ من ولاة الاُمويّين قد صعد منبر الكوفة وخطب قائلا: «السواد بستان لقريش» يعني: هذا العراق كلّه ملک لنا، والناس بعد فلّاحون لدينا.

أمّا من ناحية الأعراض فقد وصل الأمر بانتهاكها إلى درجة مرعبة، للحد أن أحد الشعراء قد قام مخاطبآ إيّاهم:

ولو جاؤوا برملة أو بهندٍ *** نبايعها أمير الؤمنينا

إذا ما مات كسرى قام كسرى *** نعدُّ ثلاثة متناسقينا

فوا لهفا لوَ ان لنا ضيوفآ *** ولكن لا نعود كما عُلينا

إذن لضُربتم حتى تعودوا *** بمكّة تلعقون بها السفينا

شربنا الغيظ حتى لو سقينا *** دماء بني اُميّة ما روينا

لقد ضاعت رعيّتكم وأنتم *** تصيدون الأرانب غافلينا

فقد انتهى أمر بني اُميّة إلى التفريط بالأموال والدماء والأموال، وإلى تعريض الكرامات للهدر.

زيارة القبور

ورد أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال: «زوروا القبور فإنها ترقّق القلوب». و«نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها».

وهو هدف الموعظة؛ فإن الإنسان إذا يقف على القبر يأخذ عظة وعبرة؛ لأنه «كفى بالموت واعظآ»، فيعرف أن هذا هو المصير الحتمي لكلّ إنسان، والمنظر يوحي له بشيء من تصوّر الآخرة والموت، وهو تصوّر ينعكس على سلوكه، ويترک أثراً في أخلاقه. ولذلک نشأ ما يسمى بـ(أدب القبور)، وكأنما أخذ الناس هذا من أمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم)، ونشأ عندهم الوعظ عن طريق القبر بكتابة موعظة أو شعر يؤدي إلى الخوف من الله، مثلا قول أحدهم:

ياواقفين ألم تكونوا تعلموا *** أن الحِمام بكم علينا قادمُ

لا تستعزّوا بالحياة فإنكم *** تبنون والموت المفرق هادمُ

ساوى الردى ما بيننا في حفرة *** حيث المخدّم واحد والخادمُ

روي أنّه مرّ رجل على رجل يبكي فوق قبر فقال له: أتبكي على عزيز أو صديق؟ قال: بل على أعزّ منهما، فقال: من؟ قال: نفسي. فقال: كيف؟ قال: هذا عدوّي وأردت أن أشمت به، فرأيت هذا البيت على قبره:

وما نحن إلّا مثلهم غير أننا *** أقمنا قليلا بعدهم ثم نرحل

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة