كشكول الوائلي _ 10

img

ليلة الهجرة

وليلة الهجرة، هبط عليه جبرئيل (عليه السلام) بقوله تعالى: “وَإذْ يَمْكُرُ بِکَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوکَ أَوْ يَقْتُلُوکَ أَوْ يُخْرِجُوکَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ“، وأمره أن يخرج من مكّة بنفسه، وأن يضع عليّآ (عليه السلام) مكانه؛ كي يوهم قريشآ أنه لا يزال في مكانه وكي لا يلحقه الطلب.

ومن الطبيعي أن نفهم أنّ السماء تحاول أن تلفت نظرنا إلى أن المعجزة لا تستعمل دائمآ، بل لابدّ من أن تأخذ الاُمور طريقها الطبيعي أحيانآ، فلا ينتظر المجتمع مجموعة من المعجزات، فكان على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يخرج، وأن يترک إيحاء بأن مكانه ليس خاليآ، فاستدعى عليّآ (عليه السلام) وقال له: «المولى عزَّ وجلَّ أمرني أن اُهاجر من مكّة إلى المدينة، وأمرني أن اُضجعک مكاني». فقال: «يارسول الله، لو اضطجعت مكانک أوتسلم؟». قال: «بلى». قال: «روحي لروحک الفدا، ونفسي لنفسک الوقا».

وقد رسم لنا الكعبي هذه الصورة في داليّته العصماء، حين يصفه (عليه السلام) ويصف مفاداته دون أحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) :

ومناقبٌ لک دون أحمدَ جاوزتْ *** بمقامِک التحديدَ والتعديدا

فعلى الفراشِ تبيتُ ليلک والعدى *** تُهدي إليک بوارقآ ورعودا

فرقدتَ مثلوج الفؤاد كأنما *** يهدي القراعُ لسمعک التغريدا

ووقيت ليلته وبتّ معارضآ *** بالنفس لا طفلا ولا رعديدا

رصدوا الصباح لينفقوا كنز الهدى *** أوَ ما دروا كنز الهدى مرصودا

فبقي الإمام علي (عليه السلام) في فراش النبي، وخرج هو وأبو بكر، وباتا تلک الليلة في العراء، وفي صباح اليوم التالي استأنفا الطريق إلى المدينة، وبعد ذلک فقد جاء الكتاب إلى علي (عليه السلام) بأن يحمل ظعينة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى المدينة.

حب الوطن

يقول أحدهم: رأيت جارية تقودُ عنزةً في الصحراء، وكانت جارية ضعيفة لا تقوى على مقاومة حرّ الصحراء، فسألتها: أي بلاد الله أحبّ إليک؟ فقالت: أوّل أرض لامس جلدي ترابُها. ورحم الله الشاعر إذ يقول:

ولي وطنٌ آليتُ ألّا أبيعَه *** وألّا أرى غيري له الدهرَ مالكا

فالخروج من الوطن هو مثل خروج الروح من الجسد كما أسلفنا، وهذا هو أوّل ضغط يحاول الوضع القرآني أن يبيّن أنه ممّا يتعرّض له الفرد المسلم، فكأنه يقول لهم: حملةَ الرسالة، استعدّوا؛ فإنّكم على أبواب امتحان عسير، وأوّل شيء تتعرّضون له في هذا الامتحان العسير هو هجر الوطن.

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة