الظلم _ 5

img
عام 0 ----

مصطفى آل مرهون

﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ([1]).

ولا يختص الذين ظلموا بالمعتدين على الناس وحرياتهم، فقد جاء في الأخبار وفي نهج البلاغة:

«الظلم ثلاثة: ظلم لا يغفر، وظلم لا يترك، وظلم مغفور لا يطلب.

فأما الظلم الذي لا يغفر: فالشرك بالله.

وأما الظلم الذي يغفر: فظلم العبد نفسه عند بعض الهنات.

وأما الظلم الذي لا يترك: فظلم العباد بعضهم لبعض»([2]).

الشرك: هو عبادة غير الله، وقد بيّن الإسلام فساد الإشراك وبطلانه بقوله: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا([3]).

وبما أن الشرك وليد الجهل والوهم، فهو يجلب من المساوىء للمجتمع الإنساني ما لا تجلبه عقيدة أخرى، ونراه بجانب مناقضته للعقل والمنطق يجعل الأذهان طيعة لقبول كل الأوهام والخرافات والأساطير التي تهدم كيانه وتضعفه وتقف حاجزاً دون رقيه وازدهاره.

وقد تصدى الإسلام لمحاربة الإشراك، وكانت غايته من ذلك تحرير الإنسان من الخضوع لأي مخلوق على هذه الأرض، فمنع الإسلام ذلك لأنه أراد للإنسان هدفاً أسمى مما في عالمه، أراد أن يكون خضوعه وأن تكون طاعته لغير من يجوز عليه التغير والفناء، والمتغير الفاني ليس إلا أشخاص هذا العالم الذي نعيش فيه، أرادك هذا لأن خضوع الإنسان للمتغير الذي يقوده الفناء معناه التقلب في الانقياد على نحو يجعل الإنسان مضطرباً في التوجيه في حياته، ومضطرباً في الغابة، وأخيراً مضطرباً في دوافع العمل والسلوك.

فمهاجمة الإسلام للشرك كانت لأجل أن يرفع الإنسان من عبادة الشخص المحدد المتغير الفاني إلى ما وراء ذلك مما له الدوام والاستقرار، وإذا كان له الدوام والاستقرار كان حتماً له الكمال، وإذا كان دائم الكمال شرّف الإنسان بالخضوع له؛ لأنه أعلى قيمة منه، وبقيت كذلك وجهته في الحياة ثابتة لا تبدل فيها، وهي وجهة الكمال المطلق.

ـ الهنات: قسّم القرآن الذنوب والمعاصي إلى نوعين: كبائر وصغائر. قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ([4]). والإثم هو الذنب، وأصله كما ذكره الراغب: الفعل المبطئ عن الثواب والخير. وكبائر الإثم: المعاصي الكبيرة، وهو على ما في الرواية ما أوعد الله عليه النار. وقد تقدم البحث عنها في تفسير: ﴿إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ([5]).

والفواحش الذنوب الشنيعة الفظيعة. وأما اللمم فقد اختلفوا في معناها([6]). وعليه فالاستثناء مقطع، وقيل: هو أن يلم بالمعصية ويقصدها ولايفعل وهنا الاستثناء منقطع أيضاً. وقيل: هو المعصية حيناً بعد حين من غير عادة، أي المعصية على سبيل الاتفاق، فيكون أعم من الصغيرة والكبيرة. وينطبق مضمون الآية على معنى قوله تعالى في وصف المتقين المحسنين: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ([7]).

_________________

([1]) هود: 113.

([2]) نهج البلاغة: 255. مستدرك الوسائل 12: 104 / 13638. بحار الأنوار 7: 271 / 36.

([3]) النساء: 116.

([4]) النجم: 32.

([5]) النساء : 31.

([6]) عنه في تفسير الميزان 19: 42.

([7]) آل عمران: 135.

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة