الظلم _ 3

img
عام 0 ----

مصطفى آل مرهون

﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ﴾([1]).

روي عن أبي حمزة عن أبي عبد الله قال: «وأما أنه ما ظفر بخير من ظفر بالظلم، أما إن المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من مال المظلوم». ثم قال: «من يفعل الشر بالناس فلا ينكر الشر إذا فعل به». وقال: «من أكل من مال أخيه ظلماً ولم يرده إليه أكل جذوة من النار يوم القيامة»([2]).

والذي يلفت النظر في بعض الظلمة تظاهرهم بالعدل والزهد والعمل بحكم الله، وبلا شك، إن القصد من ذلك هو تخدير الشعوب.

قيل للإمام جعفر×: «إن المنصور يعرف بلباس جبة هروية مرقوعة، وإنه يرقع قميصه». فقال×: «الحمد لله الذي ابتلاه بفقر نفسه في ملكه»([3]).

وضرب كاتبه محمد بن جميل خمس عشرة درة لأنه لبس سراويل سمتان، وقال له: إن هذا من السرف، وهو بذلك يحاول أن يفهم الناس بأنه أمين على أموال الأمة، ودينه يمنعه بأن يرى كاتبه يسرف في لباسه.

وخطب في يوم عرفة فقال: أيها الناس، إنما أنا سلطان الله في أرضه، أسوسكم بتوفيقه وتسديده، وأنا خازنه على فيئه أعمل بمشيئته وأقسمه بإرادته وأعطيه بإذنه، فقد جعلني الله عليه قفلاً، إذا شاء أن يفتحني لأعطياتكم وقسم فيئكم فتحني، وإذا شاء أن يقفلني أقفلني، فارغبوا إلى الله أيها الناس، وسلوه في هذا اليوم الشريف أن يوفّقني للصواب ويسددني للرشاد ويلهمني الرأفة بكم والإحسان إليكم ويفتحني لأعطياتكم([4]).

فهو يحاول أن يتبرأ من عهدة بخل ويدعي طهارة ثوبه مما علق به من الدماء، وأنه أمر يعود إلى الله، وبأمره إذ هو سلطانه، فيتبع الحق ويخالف الباطل، ولكن الواقع غير ما يقول.

ثم نراه يصل إلى درجة أخرى من القداسة بموافقة أعماله لما يرضي الله، ولكنها أمور إدعائية لا صلة لها بالواقع، فهو يقول في خطبة: الحمدلله أحمده وأستعينه. وفي أثناء ذكره توحيد الله اعترضه معترض عن يمينه وهو أبو الجوزاء فقال: أيها الإنسان، أذكرك من ذكرت به. فقطع الخطبة ثم قال: سمعاً سمعاً لمن حفظ عن الله وذكر به، وأعوذ بالله أن أكون جباراً عنيداً. ثم التفت إليه قائلاً له: وإياك وإياكم معشر الناس أخنها، فإن الحكمة علينا نزلت، ومن عندنا فصلت، فردوا الأمر إلى أهله توردوه موارده وتصدره مصادره، وعاد إلى خطبته.

فهو بهذا الرد يخيف الناس ويهدد من يرد عليه أو ينقد عمله؛ لأنه يظهر نفسه بالمحافظة على الدين وأنه يحكم بأمر الله ولا يتبع الهوى، وأنه رجل عدل ومثال تقوى؛ إذ هو سلطان الله يعمل بمشيئته ولا يخالف حكمه، وكان ينتقد حكم الأمويين وأعمالهم مع أنه هو هو وزيادة.

____________________

([1]) هود: 113.

([2]) وسائل الشيعة 16: 49 / 20948 و 53 / 20960.

([3]) الكامل في التاريخ 6: 30.

([4]) تاريخ الطبري 6: 331.

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة