وصية لقمان لولده ـ 4

img

مصطفى آل مرهون

كما أن الله تعالى ذكر في سورة الماعون مواصفات للمكذبين وذكر منها الذين يسهون عن الصلاة ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ [الماعون: 4 – 5]. أي لا يقيمون للصلاة وزناً، ولا يهتمون بأوقاتها، ولا يراعون أركانها وشروطها وآدابها.

و(ساهون) من السهو، وهو في الأصل الخطأ الذي يصدر من الإنسان عن غفلة، سواء كان مقصراً في المقدمات أم لم يكن. وفي الحالة الأُولى لا يكون الساهي معذوراً، وفي الثانية معذور. والمقصود في الآية السهو المقرون بالتقصير.

ويلاحظ في الآية أنها لم تقل في صلاتهم ساهون؛ لأن السهو في الصلاة يعرض لكل فرد ولكنها قالت: عن صلاتهم ساهون، فهم يسهون عن الصلاة بأجمعها، وذلك عن طريق الإهمال.

كما أن الصلاة من غير شعور لا قيمة لها، يقول تعالى: ﴿لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ﴾ [النساء: 43]. وهذه الآية جاءت ضمن تطبيق الأحكام تدريجاً. أي أن الإتيان بالصلاة في حال الوعي يقتضي أن ينصرف الأشخاص عن تناول المسكرات في الفترات الواقعة بين أوقات الفرائض انصرافاً كلياً؛ لأن السكر كان يستمر غالباً إلى حين حلول وقت الفريضة. وبعض روايات الشيعة فسّرت الآية بسكر النوم، يعني لا تقربوا الصلاة ما لم تطردوا النوم عن عيونكم كاملة لتعلموا ما تقولون. وقيل: سكارى من كثرة الهم، وقيل: من حب الدنيا.

في السنة

قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «من صلى ركعتين لم يحدث فيهما نفسه بشيء من الدنيا غفر له ما تقدم من ذنبه»([1]). وقال: «لا ينظر الله إلى صلاة لا يحضر الرجل فيها قلبه مع بدنه»([2]).

وكان إبراهيم يسمع له في صلاته أزير كأزير المرجل، وكان يسمع من رسول الله مثل ذلك، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا أخذ في الوضوء يتغير وجهه من خيفة الله، وكان إذا حضر وقت الصلاة يتزلزل ويتلوّن، فقيل له: مالك يا أمير المؤمنين؟ فيقول: «جاء وقت أمانة عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان»([3]).

ولذلك أشكلوا على الشيعه كيف تقولون: علي لا يحس في صلاته وقد شعر بالسائل فتصدق عليه. وأجاب الرازي:

يسقى و يشرب لا تلهيه سكرته *** عن النديم و لا يلهو عن الكأسي

أطاعه‏ سكره‏ حتّى‏ تمكن‏ من *** فعل الصحاة، فهذا أعظم الناس([4])

الأئمة يتصدقون بالثمين

كثيرة تلك الروايات التي تحدثت عن تصدق الأئمة (عليهم السلام) بالخواتم، ولكن لم تتحدث عن صدقات الأئمة (عليهم السلام) من ناحية الثمن، حيث إن التاريخ يذكر بأن الأئمة (عليهم السلام) يلبسون الأشياء الثمينة من أجل أن يبذلوها خاصة في ظرف لا يسعهم تقديم المال حفاظاً على نفسية الطرف الآخر، فقد أعطى الإمام الصادق (عليه السلام) لفقير خاتماً ثم سأله عند خروجه: هل تعرف ثمنه ـ خوفاً من أن يغبن في بيعه ـ فقال: لا. فقال له الإمام (عليه السلام): «ثمنة عشرة الآف درهم، فإن وجدت من يدفع لك قيمته وإلا عد علينا لنشتريه منك»([5]).

ولذلك فإن بجدل قطع أصبع الحسين (عليه السلام)، والجمال قطع كفيه من أجل التكة.

________________________

([1]) المحجة البيضاء 1: 349.

([2]) المحجة البيضاء 1: 351.

([3]) المحجة البيضاء 1: 351.

([4]) تفسير الىلوسي 6: 169، نقلها عن ابن الجوزي وليس الرازي.

([5]) بحار الأنوار 47: 61/ 116.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة