وصية لقمان لولده ـ 3

img

مصطفى آل مرهون

ثمان وصايا

أوصي لقمان ولده ثمان وصايا على فرض صحة الرواية تقول أنه قال لولده:«يا بني، إني خدمت أربعة آلاف نبياً في أربعة الآف سنة، واخترت من كلامهم ثمان كلمات:

الأُولى: إذا كنت في الصلاة فاحفظ قلبك

وحضور القلب هو: أن يفرغ القلب من غير ما هو ملابس له ومتكلم به حتى يكون العلم مقروناً بما يفعله وما يقوله من غير جريان الفكر في غيرهما، فعلينا أن نعرف حقيقة الصلاة حتى نعرف هذه النقطة.

حقيقة الصلاة

إذا أردنا أن نعرف الأُمور الباطنة في الصلاة والآداب والأسرار الخفية المتعلقة بأجزائها وشرائطها الظاهرة فنقول: المعاني الباطنة التي هي حقيقة الصلاة سبعة أمور كما في جامع السعادات ج3 ص322:

الأول: الإخلاص والقربة، وخلوّها من شوائب الرياء.

الثاني: التفهم لمعنى الكلام، وهو اشتغال القلب على العلم بمعنى اللفظ، وهو مقام يتفاوت فيه الناس، ومن هنا الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾ [العنكبوت: 45].

الثالث: التعظيم، فربما يتكلم الإنسان ولكنه غير معظم لغيره.

الرابع: الهيبة، ومن لا يخاف لا يسمى هائباً، فالهيبة خوفٌ مصدره الإجلال.

الخامس: الرجاء، فالعبد ينبغي أن يكون راجياً بصلاته ثواب الله، كما أنه خائف بتقصيره عقابه.

السادس: الحياء، ومستنده استشعار تقصير وتوهم ذنب.

السابع: حضور القلب، كما ذكرنا وهو قد يعبر عنه بالإقبال على الصلاة والتوجه، وقد يعبر عنه بالخشوع، وهو نوعان: خشوع بالقلب، وخشوع بالجوارح، وهو أن يفضّ بصره ولا يحرّك حركة غير مناسبة ولا يفعل شيء من المكروهات.

حضور القلب

إن الغرض الأصلي من العبادات تصفية النفس وصقلها، فكل عمل يكون أشد تأثيراً فيهما يكون أفضل، وفي الصلاة يحصل بالأُمور المذكورة، فالكلام إعراب عما في الضمير، ولا يحصل إلا بحضور القلب، أما إذا كان محجوباً بحجاب الغفلة فلا فائدة فيه.

وقد تظافرت الآيات والأخبار على الترغيب وفضيلتها ومدح أهلها على ذم الغفلة عند الاشتغال بالصلاة، يقول تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: 1 – 2].

و(خاشعون) مشتقة من الخشوع، بمعنى التواضع والتأدب جسماً وروحاً بين يدي جليل، وهو صفة للمؤمن لا إقامة الصلاة، إشارة منه إلى أن الصلاة ليست مجرد ألفاظ وحركات لا روح فيها ولا معنى وإنما تظهر في المؤمن حين إقامته الصلاة، حين يرتبط مع الله ويدعوه بتضرع. وقد جاء عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حين شاهد رجلاً يلهو بلحيته وهو يصلي قوله: «أما لو خشع قلبه لخشعت جوارحه»([1]). إشارة إلى أن الخشوع الباطني يؤثر في ظاهر الإنسان. وكان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يرفع بصره في صلاته، فلما نزلت الآية طأطأ رأسه ورمى ببصره إلى الأرض كما في مجمع البيان([2]) والفخر الرازي([3]) في تفسير الآية.

كما أن القرآن الكريم يحذر من الغفلة قال تعالى: ﴿وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ﴾ [الأعراف: 205]. فذكر الله في كل حال ووقعت مدعاة لإيقاظ القلوب وجلائها من الدرن، وإبعاد الغفلة عن الإنسان بل الذكر كمزرعة الربيع إذا نزلت أمرعت القلوب بأزهار التوجه إلى الله. يقول تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: 14]. ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28].

______________________

([1]) إرشاد القلوب 1: 115.

([2]) تفسير مجمع البيان 7: 176.

([3]) تفسير الرازي 23: 77.

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة