التربية وصفات المربّي ـ 2

img

مصطفى آل مرهون

صفات المربي الأساسية

الصفة الأولى: الإخلاص في كل عمل تربوي يقوم به

سواء كان هذا العمل أمراً أو نهيا أو نصحاً أو عقوبة.

والإخلاص في القول والعمل هو من أسس الإيمان ومن مقتضيات الإسلام، لا يقبل الله العمل إلا به.

قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البيّنة: 5]. ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: 110].

الصفة الثانية: التقوى

والتي هي أن لا يراك الله حيث نهاك، وأن لايفقدك حيث أمرك؛ ولذلك قال تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: 13]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ [آل عمران: 102].

والمربي إذا لم يكن متخلقاً بالتقوى وملتزماً في سلوكه ومعاملته بالتقوى فإن عائلته تنشأ على الانحراف ويسير في طريق الفساد والانحلال ويتجه طريق الضلال والجهالة.

إذا كان رب البيت بالدف مولع *** فشيمة أهل الدار كلهم الرقص

الصفة الثالثة: العلم بأصول التربية التي ذكرها الإسلام

وأن يكون عارفاً بالحلال والحرام ومبادئ الأخلاق.

أما لو كان المربي جاهلاً فربما يستخدم الطريق الخاطئ، فيتعقّد نفسياً وينحرف خلقياً، ومن هنا كان الحث على العلم من مبادئ الإسلام. يقول تعالى: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: 9]. ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: 11].

الصفة الرابعة: الحلم والاتزان الذي هو من أعلى مراتب الأخلاق

يقول تعالى: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 134]. ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199]. ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت: 34].

طالب العلم والبدوي

رجع أحد طلاب العلم من دراسته متوجهاً إلى بلده، وفي أثناء الطريق مرّ ببدوي فضيفه، ودار الحديث بينهما فسأل الشيخ: هل تعلمت أبو العلم؟ فقال: وما هو هذا؟ فقال له البدوي: إذا لم تعرف لم تستفد من علمك شيء، فطلب منه أنه يتعلم عنده أبو العلم، فوافق الرجل وبقي ينتظر الشيخ ثلاث سنوات، ثم قال له البدوي: أبو العلم هو الحلم فعليك به.

فلما وصل بيته دخل ليلاً وإذا مع زوجته من هو في فراشها، فشك في زوجته وأراد قتلها، فتذكر درس الرجل، فصار حليماً فأيقض زوجته من نومها وسألها عمن هو في فراشها، فقالت: ولدك، حيث سافرت عنّي في بداية الحمل، فحمد الله على أنه استعمل الحلم ولم يرتكب الجريمة. وصدق الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) حين قال: «اللهم اغنني بالعلم وزيّنّي بالحلم»([1]). وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «كفى بالحلم ناصراً»([2]).

وكانت هذه الظاهرة من أبرز صفات أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، فكان الإمام الحسن (عليه السلام) مضرب المثل في حلمه حتى شهد له بذلك ألد أعدائه مروان بن الحكم حينما بادر إلى حمل جنازته، فقال له الإمام الحسين (عليه السلام): «أتحمل جنازته وقد كنت تجرعه الغيظ؟!» فقال مروان: كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال([3]).

وكان الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) من أكثر الناس حلماً وأوسعهم صدراً حتى لُقّب بالكاظم لكظمه الغيظ.

_________________________

([1]) المحجة البيضاء 5: 311.

([2]) المحجة البيضاء 5: 314.

([3]) بحار الأنوار 44: 145.

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة