الشكر _ 3

مصطفى آل مرهون
سبب النزول
الآية ناظرة إلى معركة أحد حين نادى أحدهم: قتلتُ محمداً، وفي هذه الأثناء رمى فيها عمرو بن قمئة الحارثي النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بحجر فكسر به رباعيته وشجّه في وجهه، فسال الدم وغطى وجهه الشريف، وكان العدو يريد القضاء على الرسول ولكن مصعب بن عمير ـ وهو من حملة الرايات في الجيش الإسلامي ـ ذبّ عنه حتى قُتل دون النبي‘، فتوهّم العدو أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قد قُتل؛ ولهذا صاح ألا إن محمداً قد قُتل ليخبر الناس بذلك الأمر.
وتزعزعت روحية المسلمين، واضطرب جمع كبير منهم كانوا يشكّلون أغلبية الجيش الإسلامي، وخرجوا من ميدان القتال، بل وفكر بعضهم أن يرتد عن الإسلام ويطلب الأمان من أقطاب المشركين، بينما كان هناك أقلية من المسلمين مثل الإمام علي (عليه السلام) وأبو دجانة وطلحة وآخرون، يصرون على الثبات والمقاومة ويدعون الناس إليه.
فقد جاء أنس بن النضر إلى ذلك الفريق الذي كان يفكّر في الفرار وقال لهم: «يا قوم، إن كان قد قُتل محمد فرب محمد لم يُقتل، فقاتلوا على ما قاتل عليه رسول الله‘ وموتوا على ما مات عليه»([1])، ثم شدّ بسيفه وحمل على الكفار حتى قُتل، ثم لم يمضِ وقت حتى تبين على أثره خطأ ذلك الخبر أو كذبه، فنزلت الآية الأُولى توبّخ الذين فروا.
وفي مجمع البيان عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: «إنه أصاب علياً (عليه السلام) يوم أحد إحدى وستون جراحة، وإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أمر أم سليم وأم عطية أن تداوياه، فقالتا: إنا لا نعالج منه مكاناً إلا انفتق مكان آخر، وقد خفنا عليه. فدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) والمسلمون يعودونه وهو قرحة واحدة فجعل يمسحه بيده ويقول: «إن رجلاً لقي هذا في الله فقد أبلى وأعذر». وكان القرح الذي يمسحه رسول الله يلتئم، وقال (عليه السلام): «الحمد لله إن لم أفر ولم أوّل الدبر». فشكر الله له ذلك في موضعين من القرآن: وهو قوله تعالى ﴿وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾([2]).
وجاء هنا بصورة المتكلم ﴿سَنَجْزِي﴾، وهذا يفيد غاية التأكيد للوعد الإلهي بإعطاء الثواب لهم؛ فهو تدرج من الوعد العادي إلى الوعد المؤكد.([3])
وكما رأى الرسول قائد عسكره بهذا الحال واستطاع علاجه فقد رأى الحسين أخاه العباس على حال نادى فيها: «الآن انكسر ظهري»، وقد رأت زينب أخاها على حال نادت: «اللهم تقبل منا هذا القربان».
_________________________
([1]) بحار الأنوار 20: 27 و 136.
([2]) تفسير مجمع البيان 2: 409.
يتبع…