كشكول الوائلي _ 7

img

وهذه الوقائع وغيرها هي في الحقيقة كانت متعلّقة بقرينة، فلما ذهبت القرينة وغابت عن الخبر بقيت الواقعة فقط، فلم يعد هناک من القرائن ما يحدّد المعنى، فأخذ الراوي الواقعة وأغفل القرينة. فعلينا أن نبذل الجهد لمعرفة خلفيّات الأخبار والروايات، وقد بذل العلماء من الجهد والكدّ ما لا يعلمه إلّا الله لغرض دراسة التأريخ وتمحيص الروايات والأخبار، وليس هذا من الاُمور السهلة كما قد يتصوّرها البعض.

ومن سلبيّات التأريخ أنه أحيانآ ينقل ما ليس بحقّ، فمن الأمثلة على ذلک أن أحد الأشخاص قال لي مرة: لماذا تحلّون الزواج بتسع نساء؟ فقلت له: من أين عرفت ذلک؟ قال: أنتم تفسّرون معنى الآية الكريمة: “مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ” بالجمع، أي بمجموع اثنين وثلاثة وأربعة، فيكون الحاصل تسعة.

والغريب أن هذه المسألة من أقوالهم هم وليست من أقوالنا، وقد استعرضت هذا الموضوع مفصلا في كتاب فقه الجنس في الإسلام، فلم أجد له أثرآ. وكلّ ما عندنا أن المرء إذا خاف الوقوع في المحرّم فإن الزواج يكون واجبآ عليه، أما إذا كان يتوق إلى الزواج لكنه لا يخاف الوقوع في المحرّم فيكون الزواج مستحبّآ له. أما إذا لم يكن يتوق للزواج ولم تكن عنده كفاية فيصبح الزواج مكروهآ؛ لأنه لا يستطيع الوفاء بحقوق المرأة والاُسرة. وأحيانآ يكون الزواج محرّمآ، وذلک في حالات منها:

1- الزواج من المحارم، كالاُم والاُخت والعمّة والخالة.

2- الزواج بأكثر من أربع إلّا إذا نقص العدد الأوّل بموت أو طلاق.

3- الزواج جمعآ بين الاُختين.

4- وهناک من الزواج ما يحرم لأنه بلا إذن كالزواج من ابنة أخي الزوجة أو ابنة اُختها بلا إذنها.

إلى غير ذلک مما هو مفصّل في كتب الفقه. فالغرض من هذا أنني اُريد أن أقول: إن رأينا ورأيَ جميع المسلمين أنه يحرم أن يجري الرجل ماءه في أكثر من أربع. أما من يقول: إنكم تجيزون الزواج بتسع أو ثماني عشرة أو بدون عدد، فهو غيرنا، وهذا ما فصّلته في كتاب (فقه الجنس في الإسلام).

فمن سلبيّات التأريخ إذن أنه يختلق الزور وينسبه إلى الحقّ، ومن الصعب على الإنسان اليوم أن يجد له كتابآ خالصآ من الهوى، وليس عندنا الضمير المسلم الذي يشعر بمسؤوليّة الكلمة وخطورتها على الأجيال، فهي كالسمّ الذي يدسّ في الطعام أو الشراب أو الدواء.

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة