كشكول الوائلي _ 5

img

قوة المجتمع وضعفه

يروي المؤرخ ابن ديزيل أن أمير المؤمنين (عليه السلام) بعث أحد الأشخاص إلى الشام قبل وقعة صفين، وأمره أن يلبس لباس الكوفيّين، حيث ان أهل الشام سيلتفّون حوله يسألونه عن الكوفة، وأمره أنهم إذا سألوه أن يجيبهم أن عليآ (عليه السلام) نهد إليهم بجيش قوامه تسعون ألفآ ولينظر ما يصنعون ثم يعود إلى الكوفة بلباس أهل الشام فيفعل الشيء ذاته.

فذهب هذا الرجل، فسأله أهل الشام فقال: الخبر في مجلس الأمير، فلما وصل المسجد الذي تجمّع فيه الناس يوم الجمعة وفيهم معاوية سأله معاوية عن حال الكوفة فقال: تركت عليآ نهد إليكم بجيش قوامه تسعون ألفآ. فالتفت معاوية إلى أصحابه فقال: ما رأيكم؟ فقام إليه ذو الكلاع الحميري فقال له: الرأي رأيک، عليک أن تقول وعلينا أن نطيع. فقال معاوية: انهدوا إلى قتال عدوكم.

قال الراوي: فلما أصبح الصباح رأيت الكتائب متجمّعة متهيئة للقتال، ثم رجع مبعوث أمير المؤمنين (عليه السلام) بلباس أهل الشام ووصل الكوفة يوم الجمعة أيضآ، فسأله أمير المؤمنين (عليه السلام): «ما الخبر؟». قال: تركت معاوية نهد إليكم بمئة وعشرين ألفآ. فالتفت علي (عليه السلام) إلى من معه فقال: «ما رأيكم؟». فقال أحدهم: هذا وقت الحرّ وليس الوقت وقت قتال. وقال آخر: لمَ لم تخبرنا قبل هذا؟ وقال ثالث: أنا أرى أن نفعل كذا. وقال رابع: أنا أرى أن نفعل كذا. وكان أن التفت (عليه السلام) إليهم قائلا: «لا أرى هؤلاء القوم إلّا ظاهرين عليكم؛ لاجتماعهم على باطلهم وتفرّقكم عن حقّكم»(1).

واليوم نعيد الفعلة نفسها، فهؤلاء من أتباع الشيخ فلان، وأولئک من أتباع السيد فلان، والحال أن علينا أن نبقى مع المنبع الرئيس في ديننا وإسلامنا وهو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وآل بيته الطاهرون (عليهم السلام)، وكفانا فرقة وتمزّقآ واختلافآ.

ومن إيجابيات تاريخ الكتاب أننا نأخذ منه موضع الفخر، فنحن نجد في التأريخ آباء وأجدادآ لنا يستحقّون أن نفخر بهم، يقول الفرزدق:

أولئک آبائي فجئني بمثلهم *** إذا جمعتنا يا جرير المجامعُ(2)

هوامش:

_____________________

(1) عنه في شرح نهج البلاغة 3: 95، تاريخ مدينة دمشق 59، 136 ـ 137، ولم ينقله عن المؤرّخ ابن ديزيل، وانظر سير أعلام النبلاء 2: 141.

(2) ديوان الفرزدق: 418.

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة