كشكول الوائلي _ 4

img

إيجابيّات تاريخ الكتاب

إذن لو أردنا أخذ التأريخ فلابدّ أن نأخذه من مصادره الصحيحة. ولابدّ أن نعرف أن الكتاب الذي ينقل الأحداث التأريخيّة له محاسنه ومساوئه.

فمن إيجابيّاته: أننا نستفيد منه التعرفَ على سمات الاُمم، من العادات والتقاليد وغيرها. فلو أردتَ التعرّف على العادات التي درجتُ عليها أنا ومن هم من أبناء جيلي، وهل هي صالحة لهذه الأجيال أم لا، فإنه يجب عليک أن ترجع إلى التأريخ لترى هل إن الاُمم السابقة لديها مثل هذه العادات؟ فتجد في التأريخ ما يدعم أو يدحض ما تحمله من هذه العادات والتقاليد، كما تعرف المستحدَث منها من غير المستحدَث، والمبتدَع من غير المبتدَع. ومن هذا نعرف السمات التي تلتقي بها أو تختلف عنها كلّ حلقة من حلقات التأريخ وكلّ جيل من أجياله.

من السنن أن الحقّ وحده لا يكفي لتحقيق النصر

ومن إيجابيّاته أيضآ أننا نأخذ منه العظة والعبرة على حدّ قوله تعالى: “يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أحْسَنَهُ“(1)، فحينما ندرس التأريخ فإننا نستفيد من تجارب الاُمم السابقة، فنأخذ من حَسَنها ونتجنّب سيّئها. فنحن نعرف مثلا أن سنن التأريخ ليس لها علاقة بمؤمن أو كافر، فلو أن اُمة اتّحدت ودعت إلى الوحدة والوئام، ونبذت الفرقة والتمزّق فإنها تنتصر لا محالة. وهذه سُنّة من سنن الكون، قال تعالى: “وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ“(2). وقد كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يعرف أنه وأصحابه على الحقّ ومعاوية وأشياعه على الباطل، ولكنه كان يقول لأصحابه: «لا أرى هؤلاء القوم إلّا ظاهرين عليكم؛ لاجتماعهم على باطلهم وتفرّقكم عن حقّكم»(3).

وتعال الآن إلى ما نراه في مجتمعاتنا من تفرّق وصل إلى حدّ التساؤل فيما بين الناس عن المجتهد الذي يقلّده بعضهم، في حين أن المجتهد الجامع للشرائط من العدالة وغيرها إنما نقلّده باعتباره طريقآ للإسلام فقط ولا داعي إلى البحوث التي لا طائل من ورائها. فالله تعالى لا يسألک في اليوم الآخر مثلا: هل إن الحسين (عليه السلام) بيده أزمّة السماوات والأرض؟ نعم إنه يسألک عمّا هو أساسي من نحو أن الحسين (عليه السلام) إمام معصوم، وهو سيّد شباب أهل الجنّة، وجاهد في الله حقّ جهاده، أمّا غير ذلک من اليمين أو الشمال فلا يُسأل عنها المكلّف.

وعليه فإن هناک قضايا ينبغي على المكلّف أن يتركها للفقهاء؛ فهم أصحاب القول الفصل فيها، كما لو أن أحد الفقهاء أفتى بإعطاء الحقّ الشرعي من الزكاة للمسلم المؤمن، وليس لمطلق المسلم فهذا ليس من شأن المكلّف واختصاصه، إنما الذي من اختصاصه أن يعرف أصل الوجوب؛ لأن الاختلافات هذه ستؤدي إلى التمزّق والتناحر فيما لو شغلنا أنفسنا بها.

فمسألة الحقّ وحدها لا تكفي لتحقيق النصر، وإنما هناک سنن تأريخية وضعها الله تعالى في الكون منها أن الاتّحاد قوّة والتناحر والتفرّق والتمزّق ضعف.

الهوامش:

_________________

(1) الزمر: 18.

(2) الأنفال: 46.

(3) الغارات 2: 636، تاريخ مدينة دمشق 1: 361. وتمامه: “وطاعتهم لإمامهم ومعصيتكم لإمامكم، وبأدائهم الأمانة إلى صاحبهم وخيانتكم إياي. إني ولّيت فلاناً فخان وغدر، واحتمل فيء المسلمين إلى معاوية، وولّيت فلاناً فخان وغدر وفعل مثله، فصرت لا آتمنكم على علاقة سوط. وإن ندبتكم إلى عدوّكم في الصيف قلتم: أمهلنا ينسلخ الحرّ عنّا، وإن ندبتكم في الشتاء قلتم: أمهلنا ينسلخ القرّ عنا. اللهم إني قد مللتهم وملوّني، وسئمتهم وسئموني، فأبدلني بهم من هو خير لي منهم، وأبدلهم بي من هو شرّ لهم مني. اللهم مثّ قلوبهم ميث الملح في الماء”. ثم نزل، وهي خطبة تمخّضُ عن كثير ألم ومعاناة ممّا كان يستعشره أمير المؤمنين (عليه السلام) ويعتمل في صدره ممّن يجب أن يكونوا أصحابه لا أعداءه، سيأتي ذكر القصّة في الهامش التالي.

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة