كشكول الوائلي _ 3

img

الدور الحقيقي للمؤرّخ ودور فيلسوف التاريخ

فالتأريخ لابد أن يؤخذ من الثقة، ودور المؤرّخ في التأريخ يجب أن يكون كدور المصوّر الفوتوغرافي الذي ينقل الصورة كما هي دون تزييف أو تحريف، فعليه أن يكون أمينآ موضوعيّآ في كلّ ما يروي ويكتب، ويترک ما رواه لمن يدرس التأريخ وأصحاب الفلسفة التأريخيّة. ولتقريب المعنى نقول: يروى في قوله تعالى: “مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ“(1) أن الملكين سمعاً من المكلّف صفيرآ، فتحيّرا ماذا يكتبان فقال أحدهما للاخر: اكتب «صفير»، وعلى الله التفسير. وكذلک المؤرّخ عليه أن يسجّل الواقعة فقط، ثم يأتي المحلّل أو الفيلسوف التأريخي فيبيّن أسرار التأريخ بعد دراستها.

ولذلک فإننا لا نمنع من الاحتجاج برواية الثقة وإن كان من مذهب أو نحِلة غير الشيعة، فالمقياس عندنا في الراوي هو الموضوعية فيما يروي، في حين أن غيرنا لا يصحّح الرواية عمن يُتَّهم بالتشيّع(2)، وكأن حبّ الحسن والحسين (عليهما السلام) جريمة لا تغتفر. وهذا الأمر حصل في زمن متأخّر، وإلّا ففي البخاري ومسلم الكثير من الشيوخ من الشيعة. ومن أحبّ معرفة المزيد فليراجع (الفصول المهمّة) و(المراجعات) للسيد عبد الحسين شرف الدين (رحمه الله) وغيرهما من الكتب. وهذه المسألة حدثت في وقت متأخّر وعلى وجه التحديد من أيام ابن تيمية:

وعند الله تجتمع الخصوم

وهذه عقبة وضعوها في طريق وحدة المسلمين، وإلّا فنحن نريد الرواية الصحيحة، ولا يمنع أن تكون كذلک وراويها من مذهب آخر.

يذكر مصطفى السباعي أنه بحث عن دعوى أن الخوارج يكذبون فوجدها غير صحيحة، وعليه فلا مانع عنده من الرواية عنهم مع أنهم يكفِّرون اثنين من الخلفاء، فلماذا لا تستساغ الرواية عمّن يحبّون محمدآ وآله؟ وهذا لا يسبّب لنا في الواقع أيّة مشكلة سواء روى عنا أحدٌ أم لم يروِ طالماً أن أيدينا على المنبع الصافي الذي يتمثل بأهل البيت (عليهم السلام)، وطالما أننا سنقف بين يدي الله وقد أخذنا الرواية عنهم (عليهم السلام)، وليرضَ من يرضى وليغضبْ من يغضب:

إذا رضيت عني كرام عشيرتي *** فلا زال غضبانآ عليَّ لئامها(3)

وهذا ما ندين به ونلاقي الله تعالى به ذلک اليوم، وهو ذخرنا الذي ندّخره:

لكم ذُخركُم إن النَّبيَّ وأهلَهُ *** وأَشيَاعَهُ ذُخرِي إذا اتُّبِع الذخرُ(4)

الهوامش:

____________________

(1) ق: 18.

(2) تفاوتت عبارات القوم بين “شيعي متروك الحديث” و”شيعي متروك” و”شيعي بغيض” و”شيعي كذّاب” و”شيعي واهٍ” وأمثالها. انظر: لسان الميزان 4: 76، 7: 487. مجمع الزوائد 1: 146. كنز العمّال 2: 449، 12: 124. تذكرةُ الموضوعات: 96. فيض القدير شرح الجامع الصغير 4: 178. سير أعلام النبلاء 6: 248، تقريب التهذيب 1: 709، 2: 319.

(3) البيت لأبي العيناء، أمالي المرتضى: 218. شرح نهج البلاغة 2: 63.

(4) أجوبة مسائل جار الله: 73. النص والاجتهاد: 540.

يتبع…

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة