الحكمة _ 3

مصطفى آل مرهون
2ـ الحقائق العلمية: وقد أخبر القرآن عما لا سبيل إلى العلم به في بدء الإسلام إلا من ناحية الوحي تصريحاً أو إشارة. ومن هذه الأسرار ما في قوله تعالى: ﴿وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ﴾ [الحجر: 19]. فقد دلت هذه الآية الكريمة على أن كل ما ينبت في الأرض له وزن خاص، وقد ثبت أخيراً أن كل نوع من أنواع النبات مركّب من أجزاء خاصة على وزن مخصوص، بحيث لو زيد بعض أجزائه أو نقص لكان ذلك مركباً آخر، وأن نسبة بعض الأجزاء إلى بعض من الدقة بحيث لا يمكن ضبطها تحقيقاً بأدق الموازين المعروفة للبشر.
ومنها: قوله تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ﴾ [الحجر: 22]. وهي تفيدنا سراً دقيقاً لم تدركه أسرار السابقين، وهو الإشارة إلى حاجة انتاج الشجر والنبات إلى اللقاح، وأنه قد يكون بسبب الرياح، وقد أشار سبحانه إلى أن سنة الزواج لا تختص بالحيوان بل تعم النبات بجميع أقسامه بقوله تعالى: ﴿وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ [الرعد: 3].
ومنها: قوله تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا﴾ [طه: 53]. وفيه إشارة إلى حركة الأرض التي لم تكتشف إلا بعد قرون، وكيف تستعير للأرض لفظ المهد الذي يعمل للرضيع يهتز بنعومة لينام فيه مستريحاً هادئاً؟ فكذلك الأرض مهد للبشر وملائمة لهم من جهة حركتها الوضعية والانتقالية، وكما أن تحرك المهد لغاية تربية الطفل واستراحته فكذلك، الأرض فإن حركتها اليومية والسنوية لغاية تربية الإنسان بل وجميع ما عليها من الحيوان والجماد والنبات.
هذا وقد أشارت الآية إلى حركة الأرض ولم تصرح بها؛ لأنها نزلت في زمان أجمعت عقول البشر فيه على سكونها، حتى إنه كان بعد من الضروريات التي لا تقبل التشكيك. واجترأ الحكيم «غاليه» بعد الألف الهجري فأثبت الحركتين: «الوضعية والانتقالية» للأرض، فأهانوه وسجنوه، فلما سجن صار الحكماء يخفون كشفياتهم خوفاً من الكنيسة.
ومنها: الإخبار عن قارة أخرى يقول تعالى: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ﴾ [الرحمن: 17]. وهذه الآية الكريمة قد شغلت أذهان المفسرين، فقال بعضهم: المراد مشرق الشمس ومشرق القمر ومغربهما، وقال بعضهم: مشرق الصيف والشتاء ومغربهما، والظاهر أن المراد بها الإشارة إلى وجود قارة أُخرى تكون على سطح الأرض يلازم شروق الشمس عليها غروبها عنّا؛ وذلك بدليل قوله تعالى: ﴿يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ﴾ [الزخرف: 38].([1]).
الهوامش:
([1]) راجع البيان في تفسير القرآن 81 – 91.
يتبع…