تأملات قرآنية، تأملات في سورة العصر (الحلقة ٤ الأخيرة)

img

الأستاذ صالح السعود

بعدما ينتصر (الإنسان) على (العصر) بالإيمان والعمل الصالح، تبقى عليه عمليتات تعقبيتان، (وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) لتكون الحصانة من (الخسر) ويتم الفوز.

(وتواصوا) من أفعال المطاوعة والتفاعل،والتواصي تفاعل اجتماعي، كل واحد يستفيد من أخيه، دون تنافر أو تعالٍ، حتى يشعر المعلم أن تلميذه متفضّل عليه بالتتلمذ على يده، ويشعر الغني أن الفقير متفضل عليه بقبول نفقته، والتاجر محتاج للزارع… وما هي إلا قسمة مؤقتة زائلة، قابلة للتغيّر والزوال.. (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ! نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ، لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا، وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)  {الزُّخرف:32}

ولأهمية التواصي في إنجاز الأعمال الصالحة المبتنية على الإيمان، يتكرر التواصي (وتواصوا بالحق، وتواصوا بالصبر)

ولعل في تكرارها هنا في هذه السورة القصيرة تأكيداً على صراع الإنسان مع (العصر)، إذ لا يكفي في الانتصار على الزمن الإيمان والعمل حتى يضاف إليه التواصي، ولعله جاءت (الإنسان) دون البشر أو الناس.. دلالة على الأنس والتواصل.

بالحق
ولعل من أهم ميزات العملية الإصلاحية (التواصي) أنها عملية اجتماعية تصبّ في مصلحة الآخرين، وإن تعارضت – ظاهراً – مع المصالح الفردية الآنية أحياناً .

وبهذا يأتي التأكيد على قضية التواصي (بالحق)، لأن العامل المؤمن لا يستطيع أن ينجز كل أعماله، ويحقق كل طموحاته، حتى يجد له أرضية صالحة، وتفاعل اجتماعي يتفهم الواقع الإيماني الذي يقوم على تبادل الأدوار وتكاملها للوصول إلى (الحق) .

ويبدو أن (الحق) معروف لدى هذه الشريحة، فهم يدركون تماماً (بالحق)، فبالحق الثابت منطلقاتهم، وبه بقاؤهم.. وهو لا يقبل عندهم التنازل والمساومة والمجاملة، فالحق حق، ومقابله الباطل والسراب حتى السقوط في (الخسر)

وتواصوا بالصبر
وتبقى خطوة واحدة أمام نجاح (الإنسان) وسيطرته على (العصر) الذي يحيط به.. إنها الصبر، بل التواصي بالصبر، فبتكاتف الجميع ينجز العمل الإيماني، وتخفق راية (الحق) مدى العصور، وتتحقق الدولة الكريمة، ويعيش أهلها الأمن من خسارة الوقت، وخسارة (العصر) وخسارة العمر .
والسورة بعد ذلك تعرف (الإنسان) بعصره ودوره، وتصلح أن تكون وثيقة أسرية بين الزوجين، يتعاهدان على استمرار حياتهما، وتخليد اسمهما على مسرح (العصر) وبناء أسرة بنّاءة تعمر الأرض، دون أن يستهلكها الزمن .

وتصلح أن تكون وثيقة اجتماعية للمؤسسات الاجتماعية والشركات الضخمة والدول الرائدة.. لتدرك الأبعاد الزمنية الصحيحة، وعوامل السيطرة على (العصر) والخلوص من (الخسر).. في منهج متكامل مركّز ، يدفع العصور الإنسانية إلى الأمام والنجاح .
تمت السورة المباركة
ونبقى على أفيائها

أسألكم الدعاء

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة