تأملات قرآنية، تأملات في سورة العصر 3
الأستاذ صالح السعود
فتحت (إلا) بابا واسع للخلاص من (الخسر)، وأقامته على أربعة أسس..
(والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا..)
الذين آمنوا
والإيمان مشتق من الأمن، وهو الاطمئنان والتصديق، والإيمان بالشيء يعني الاقتناع به، والسير على طريقته، وإن خالف قوانينه العقلية والوجدانية، والإيمان بالله يعني الطاعة المطلقة التي لا تعرف النقاش ولا الجدال ولا التردد ولا الكسل..
فـ (الذين آمنوا) هم الذين شغلوا أوقاتهم بتعبئة أقصى درجات الإيمان بالله والاطمئنان إليه، فانشغلوا عن غيره.
وعملوا الصالحات
وإذا سلك (الإنسان) طريق الإيمان القلبي الداخلي، فليس عليه أن يترهب ويتنسك ويتزهد.. بل عليه أن يستغل دقائق حياته، ليترجم ذلك الإيمان إلى واقع عملي يحياه، ويُحيي به غيره، في هذه الحياة المؤقتة.
وبما أن العصر سيّال لا يركد، فسيتحول العمل مباشرة إلى المضي، فهم (يعملون) الآن، ولكن عملهم يتحول بعد لحظة العمل الآني إلى تراكمٍ عملي، يصب في رصيدهم المستقبلي، فهم قد (عملوا).
وفي استخدام الفعل الماضي (آمنوا.. عملوا.. تواصوا) تهييج للمتلقي لمراجعة حساباته بعد كل لحظة تمر، وهذا بدوره يجعل (الإنسان) دائم اليقظة، يرصد تاريخه ليؤمن مستقبله، فيندفع مع كل لحظة يحرقها من الزمن لتكون وقوداً لإيمان أرسخ، وعمل أصلح، وتواصٍ بالحق والصبر.
فـ (عملوا الصالحات) يفيد تأصل العمل عند هذه الفئة الناجية، حتى صار سجية يعرفون بها، بعدما حفروا أعمالهم في صفحات الزمن .
الصالحات
وفي تعريف (الصالحات) وجمعه، عوضاً عن (عملوا صالحاً)، دليل على معرفتهم بالصلاح النظري، وتجسيده في شكل أعمال متتابعة متوالية، لا تعرف الركود ولا السأم، فهم من مشروع إصلاحي إلى مشروع، بل حياتهم كلها صلاح، لأنهم لا يقدمون على عمل حتى يعرضوه على القاعدة الإيمانية التي رسّخوها في أذهانهم وقلوبهم، ثم لا ينتظرون من الناس جزاءً ولا شكوراً .
وتواصوا
إلا أن ضمانية استمرار العمل الإيماني..
يتبع