تأملات قرآنية ـ تأملات في سورة الطارق (الأخيرة) ـ تعديل … وتتمة
صالح السعود
بعد هذه الرحلة النفسية المتسارعة، من (السماء –الطارق –النجم-النفس- الحافظ-الدافق –الرجع)..
يعيدنا السياق مرة أخرى إلى (السماء)، ولكنها ليست كما في مطلع السورة الكريمة، وإنما هي هنا تجميع بين (السماء والطارق) وبين (إنه على رجعه لقادر)، إن السماء هنا تحمل في نفس المتلقي المزج بين الاثنين (والسماء ذات الرجع).
وهنا يقف المتلقي مذهولا، أمام هذا التيار الحلزوني المتدافع، فهل الرجع هنا للطارق، أم للإنسان، وما علاقة السماء بالرجع، ولما كانت السماء هنا (ذات الرجع) ولم تكن (والسماء والراجع)..
وبينما يقف المتلقي حائرا في مطالعة (السماء) متأملا رجعها، يسرع بنا السياق، لتهدئة النفس الحائرة، ونقلها مباشرة إلى مشهد يفتح ما لم (يدركه) من الآية الكريمة.
(والسماء ذات الرجع، والأرض ذات الصدع) إن هذا التناغم البديع بين عالم (السماء والأرض)، وبهذا التقابل الصوتي النغمي، لم يسهم في بناء الأرض وعمارتها و(حفظها) وحسب، بل يسهم -كذلك- في تهدئة نفس القارئ، و(حفظها).
وإن كان في اختيار كلمتي (الرجع) و(الصدع)، إيحاء مهول، يقلق المتلقي حين يوقفه على عتبات رجوعه، بعد تصدع الأرض عن قبره، كما تتصدع لإخراج نباتاتها..
وبعد هذه المشاهد الحركية، يغلق السياق المشاهد كلها ليعلن لنا (إنه لقول فصل، وما هو بالهزل)
ليدرك المتأمل بنفسه عبر تلك السلسة من الانفعالات المتوهجة غاية هذا النص، وهدفية هذا الوجود الداخلي والخارجي، المحسوس واللامحسوس، والمحدود واللامحدود.. ومن ثم يبقى الخيار الأخير لدى هذا المتلقي.
والذي يدعو إلى التعجب أن يتحول هذا (الإنسان) إلى كائن متمرد، رغم إقراره بـ (محدودية إدراكه وقدرته) و (لامحدودية علم خالقه و قدرته)، وحين اقتضت إرادة الله أن يجعل الخيار لديه، فسينقسم الناس تبعاً لإدراكهم الحقيقة الكلية وجزئياتها إلى قسمين :
(إنهم يكيدون كيدا، وأكيد كيدا)
قسم أخطأ قراءة ما حوله فعاشوا صراعاً موهوماً، مع أنفسهم ومع ما حولهم.. فهم (يكيدون كيدا)، ولم يبين لنا النص الكريم، حدود (كيدهم) ولم يذكر معالمه ولا وسائله بل ولا المكيد به، ليؤكد سبحانه أن كل مخالفة لقوانينه التكوينية والتشريعية (كيد) وخديعة، لكنها واقعة بين قوتين قد اتضح لدى المتلقي حدود كل منهما (وأكيد كيدا)!
(فمهل الكافرين أمهلهم رويدا)
وقبل أن ينهار المتلقي أمام هذا الاحتدام، ويظن في نفسه الخيبة، يستدير به السياق عبر تلك العوالم المتداخلة والمتعارضة مؤكداً له – في كلمة أخيرة يبثها في نفسه الوالهة – أن الصراع بين الحق والباطل لن يزول، حتى تتحول حيرة الإنسان إلى حقيقة، وأن ليس مكيداً ولامخذولاً من قرأ الحقيقة قراءة واعية، ثم صنع من الفوضى نظاماً، واتخذ من الحيرة منطلقاً من المحدود إلى اللامحدود.. فإذا أيقنت ذلك – يا هادي الإنسانية يا مُحمّد ويامن سار على دربك الواضح- فماذا يضيرك بعد هذا (فَمَهِّلِ الكافِرينَ أمهِلْهُم رويداً)
تمت تأملات سورة الطارق
وسنبقى تحت أفيائها