الموت

img

قال الله تعالى في كتابه العزيز ( كل من عليها فان – ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام )

حديثنا عن الحياة الحقيقية وهل يختلف عالم الآخرة عن عالم الدنيا وذلك في ثلاث نقاط

شرح الآية الكريمة  –

منازل سفر الآخرة –

مباحث الموت

شرح الآية الكريمة  النقطة الأولى :

( كل من عليها فان ) “الرحمن 26” وضمير عليها للأرض

لماذا لم يقل الله سبحانه كل ما عليها فان بل قال كل من عليها فان ؟

إن كلمة (من) تستعمل غالباً في الموجودات العاقلة كالبشر والجن والملائكة وقد يدخل فيها غيرها على سبيل التغليب أو تنزيلهم منزلة العقلاء إذا شاركوا العقلاء في أمر يناسبهم

مثال : كل من في الكهف نائم

لأن أجلكم الله الكلب يشارك العقلاء فصار على سبيل التغليب وكلمة (ما ) يراد بها غير العاقل

والمقصود في هذه الآية الموجودات العاقلة التي تسكن الأرض سوف تفنى كما زعم بعض  أي أن العقلاء الذين على الأرض يفنون ولا يبقى من أثر لهم إلا ما جعلوه باتجاه الله سبحانه ووصلوه فاستمد منه البقاء

وهنا يوجد رأيان

الرأي الأول : صاحب كتاب الميزان

ضمير (من عليها) للأرض أي كل ذي شعور وعقل على الأرض سيفنى

الرأي الثاني : صاحب كتاب الأمثل

الضمير في (من عليها ) يرجع للأرض وهم الجن والإنس

ويضيف في الآية اللاحقة قوله سبحانه ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)”الرحمن 27″

المعنى اللغوي للوجه معروف وهو القسم الأمامي للشيء بحيث يواجهه الإنسان في الطرف المقابل

ويحتمل أن يكون المقصود هي الأعمال التي تنجز من أجل الله وبناء على هذا فالجميع يفنى والشيء الباقي هي الأعمال التي تنجز بإخلاص ولرضا الله

يمر الإنسان من قبل ولادته إلى ما بعد مماته بعدة عوالم

العالم الأول : عالم الأرواح (عالم الأشباح )

ويسمى بعالم الدر يعيش فيه الإنسان قبل أن يخلق جسد كما نُقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كتاب وسائل الشيعة يقول ( إن الله خلق الأرواح قبل أن يخلق الأجساد بألفي عام فمن تعارفت هناك – يعني الأرواح في عالم الدر- تآلفت وتعارفت في الدنيا ومن تخالفت وتناكرت في عالم الدر تتخالف وتتناكر في عالم الدنيا )

العالم الثاني : عالم الرحم (عالم الجنين )

وينقسم إلى قسمين :

القسم الأول : تخلق فيه الجسد دون الروح لمدة إكمال أربعة أشهر

القسم الثاني : تلج الروح في الجسد فيصير ذا روح

العالم الثالث : عالم الدنيا

وهو العالم الذي نعيشه وهو عالم مليء بالمكاره والشهوات وحب المال وحب الأبناء

العالم الرابع : عالم البرزخ

ومعنى البرزخ هو الفاصل والحاجز بين شيئين يمر فيه الإنسان ويعيش فيه فترة من الزمن وهذا العالم يفصل عالم الدنيا عن عالم الآخرة أين يقع البرزخ ؟ اختلفت الروايات لكن بعض الروايات تقول إن البرزخ هو القبر

إن عالم البرزخ هو القبر كما سُئل الإمام الصادق عليه السلام عن البرزخ قال: ” هو القبر عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم  كلكم في الجنة ولكني والله أتخوف عليكم البرزخ – فقيل يا رسول الله : وما البرزخ ؟ قال: القبر ”

منذ متى ؟

منذ موته إلى يوم القيامة وهي الفترة التي يعيشها الإنسان في القبر وسؤال منكر ونكير وضغطة القبر وفتنة القبر هذه كلها من جملة عالم البرزخ وتسمى بالقيامة الصغرى

العالم الخامس : عالم الآخرة ( عالم القيامة )

آخر عالم ( العالم الأبدي ) وهو عالم كبير وعظيم الذي يقع فيه يوم القيامة ويقع فيه الحشر الأكبر وفيه موقع تطاير الكتب والصراط والميزان ويتم فيه الحساب والجزاء وتكون فيها الجنة التي عرضها السموات والارض من يدخلها لا يخرج منها  وكذلك فيها النار

ذلك العالم لا موت فيه وإنما حياة مستمرة وهو آخر عالم يعيش فيه الإنسان.

فالإنسان ينتقل من عالم إلى عالم من عالم الأشباح إلى عالم الأرحام ثم إلى عالم الدنيا ثم يخرج من عالم الدنيا إلى عالم البرزخ عن طريق الموت فالموت ينقل الإنسان من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة

إذاً الموت ليس بفناء وليس بنهاية للإنسان الموت نهاية عالم الدنيا وولادة عالم الآخرة

النقطة الثانية : منازل الآخرة

أول منازل السفر إلى عالم الآخرة هو الاحتضار ولهذا المنزل عقبات ومراحل صعبة جداً أول هذه العقبات هي سكرات الموت وصعوبة انتزاع الروح من البدن قال الله تعالى ( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ماكنت منه تحيد )

وهذه المرحلة نمر عليها كلنا وهي أشد وأصعب ساعة على الإنسان وهي الفاصلة بين الدنيا والبرزخ وكلمة الاحتضار مأخوذة من مادة حضور وسمي به لحضور الموت أو الملائكة الموكلة به وحضور أهله وأولاده وإخوانه عنده كذلك حضور الشياطين

في ساعة الاحتضار الإنسان ليس ميت ولاحي ويُقال حي بين الحياة والممات له أعضاء تتجه إلى عالم البرزخ يرى من في الدنيا ومن في الآخرة ، يرى هذا العالم وذلك العالم .

لماذا تكون هذه الساعة من أشد الساعات ؟

من جهة شدة الألم والمرض واحتباس اللسان ( اللسان ينغل ) زوال القوى من الجسد ومن جهة أخرى بكاء الاهل وتوديعهم وهموم يتم الأطفال وأمواله التي جمعها وبيته الذي بناه ومن جهة أخرى أهوال الدخول إلى نشأة غير نشأته هذه ورؤية مالم ترى عينه قبل هذا

جاء في قوله تعالى ( فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد )

فيرى رسول الله صلى الله عليه وعلى أهل بيته الأطهار عليهم السلام اللهم ثبتنا على ولايتهم وملائكة الرحمة والغضب قد حضروا ليجري الحكم فيه والتوصية له وإلى جانب هؤلاء اجتمع إبليس وأعوانه ليشككوه يريدون أن يسلبوا منه إيمانه وقد خيم عليه هول حضور ملك الموت وهيئته وكيفية نزع الروح من جسده يقول أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة ” فاجتمعت عليه سكرات الموت فغير موصوف ما نزل به “

حالات الموت في هذه الدنيا على قسمين :

الحالة الأولى : ألم ظاهري

الحالة الثانية :ألم باطني

الحالة الأولى :

 يمكن أن نتحسسه الآن في الحياة الدنيا فلو قطعت إصبعك بالسكين مثلاً أو كويت موضعاً من بدنك بالنار

هل بذلك تشعر بمقدار الألم الي يمكن أن تشعر به في الموت ؟

هل تشعر بمقدار الألم الذي سيلحقك ؟

هذا الألم سببه أن الروح تريد أن تخرج عن ذلك الموضع المصاب فيعيش الإنسان تلك اللحظة في نزع روح هذا الإحساس في جزء من جسمك

فكم هي مؤلمة وثقيلة أن تخرج الروح من جميع أجزاء بدنك جزءاً جزءاً وهذا هو الألم الظاهري

الحالة الثانية :

الألم الباطني ف تتكون له غصص هذه الغصص إما أن تكون على ذهاب المال أو الأهل أو العيال وكل هذه الأمور تحصل لنا في آن واحد

لكن هذه الأمور ليست من المصيبة في شيء بل إن المصيبة أن يموت الإنسان بغضب من الله وليس برحمة الله هذه هي المصيبة

(وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون )

ما معنى هذا الحضور ؟

همالك حضورات متعددة وليس حضور واحد

الشيطان كل يوم يحضر وخصوصاً في أوقات الفرائض

مثال : وأنا أتوضأ يحضر الشيطان ويوسوس وضوئك غير مكتمل أعد وضوئك مرة أخرى وأنت في صلاتك يشكك في قراءتك ويجعلك تكرر القراءة وتكرر الذكر وأنت تريد الكمال لصلاتك  ولوضوئك وهو يستغل هذه الفرصة ويبدأ في الوسوسة وأنت تطيعه وتكرر وتعيد وتشكك

وهكذا كلما رأى منك استجابة ازداد في إغوائك فإيهما ينتصر إرادتك أم إرادة الشيطان وهكذا في كل أمورك

هذه الحضورات المتعاقبة هي التي تعين الحضور الأخير فأنت إذا كنت طوال عمرك تقول للشيطان نعم في اللحظة الأخيرة وفي ساعة الاحتضار ستكون مطيعاً للشيطان

هنالك رجل قال للشيطان وقد رآه في منامه كيف تجرني بالحبال الغليظة أم الدقيقة وكان الشيطان في يده حبال غليظة وحبال دقيقة يجر بها الناس فقال له الشيطان : أنا فقط أأشر عليك من بعيد تركض لي

من كان طوال عمره يقول للشيطان نعم في اللحظة الأخير والمعركة الأخيرة لا يستطيع أن يقول للشيطان لا وهذه نتيجة لتلك التبائع المتقدمة لذلك يجب أن يصمم أن يقول للشيطان لا ليس في مجال الواجبات فقط بل في مجال المستحبات أيضاً

المعركة الأخيرة عند الشيطان مهمة لأن الشيطان اهم نقطة لديه أن يجعل الفرد جهنمياً – أنا احترقت احرق الآخرين –

الموقف الذي يتخذه الإنسان في لحظات الاحتضار لا ينبع من فراغ بل هو يستند إلى مجموعة من المقدمات ومجموعة من العلل المتعاقبة

فمن هنا ينبغي أن يلقن المحتضر العقائد الحقة لأن المحتضر يكون في لحظات ضعف ( ضعف بدني ) و(ضعف روحي )

ما لعمل الذي يقوم به الشخص إذا كان عند شخص يحتضر ؟

أولاً أن يوجهه ناحية القبلة بحيث تكون رجليه إلى القبلة إذا جلس ويكون وجهه إلى القبلة أن يردد كلمات الفرج

(لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السموات ورب الأرضين السبع وما فوفقهن وما تحتهن وما بينهن رب العرش العظيم وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين )

تكرر عليه كلمة لا إله إلا الله والتسبيحات الأربع وقراءة سورة يس والصافات فهذه تهون سكرات الموت على المحتضر فهو ينازع ويتقلب يميناً وشمالاً وفي بعض الأوقات يبكي من شدة الألم ومن شدة الخوف

ومن المستحبات رفع ما يؤذيه من بطانية أو ساعة أو خاتم وفتح أزرار ملابسه ويكره حضور الإنسان النجس سواء كان رجل أو امرأة فمثلاً إذا كان المحتضر ينازع سكرات الموت في المستشفى وتكون الحاضرة معاه ممرضة حائض هنا المحتضر يتألم ويزداد به الألم لأن الملائكة لا تحضر في مكان النجاسة فينبغي  أن يبتعد الإنسان النجس حتى يتطهر

ومن المكروهات أن يحضر عند المحتضر مغسل الأموات أو حفار القبور وكذلك يكره رفع الصوت بالبكاء فهذا يؤذيه لأنه سيفارقهم فيشتد عليه ذلك .

النقطة الثالثة : مباحث الموت

المنزل الثاني من منازل سفر الآخرة الموت

هل الموت أمر عدمي أو وجودي ؟

في قوله تعالى ( كل من عليها فان ) الاستعمال القرآني للفظ يفيد أن الموت عدمي لكن من زاوية أخرى الموت ليس عدمياً قال الله عز وجل في محكم كتابه ( وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب  وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون )

فيمكن جعله من الأمور الوجودية في الإنسان بمعنى أن الموت نافذة على الحياة الجديدة وانتقال من منزل إلى منزل

يقول الإمام علي عليه السلام ” أيها الناس إنا خلقنا وإياكم للبقاء لكنكم من دار إلى دار تنقلون “

إن الموت ربما يوصف بكونه أمراً عدمياً  إذا نُسب إلى الجسم وأما إذا نُسب إلى الروح فلا يمكن تفسيره إلا بأمر وجودي وهو انتقالها من مرحلة إلى مرحلة .

لماذا نموت ؟

لأننا لم نخلق لهذه الحياة نحن جئنا لهذه الحياة لغرض عندما يتحقق هذا الغرض لا يوجد معنى لوجودنا ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا )

ليبلوكم أي قاعة امتحان عندما تؤدون الامتحان لا نحتاج للبقاء إلى النهاية ، لا يوجد مبرر للبقاء عندما يتحقق الهدف من وجودنا

لماذا نخاف الموت ؟

لثلاثة أسباب : 1- غريزة حب البقاء   2- الجهل   3- مواجهة الأعمال

السبب الأول : حب البقاء

لا يريد أن يفارق هذه الدنيا وغريزة حب البقاء هي من أقوى الغرائز الموجودة فينا نحن نضحي بكل شيء من أجل البقاء فمثلاً لو دار الأمر بين حب البقاء وبين حب المال والجاه نحن نضحي بالمال والجاه من أجل البقاء .

السبب الثاني : الجهل

الإنسان يخاف من الفقر لأنه نقص ويخاف الجهل لأنه نقص ويخاف العدم لأنه نقص فهو يعتقد أن الموت عدم وهو في الواقع ليس بعدم الموت انطلاقه نحو الحياة الحقيقة هي دار سلاماً سلاماً تحيتهم فيهم سلاماً هذه الجنة التي ينبغي أن نتجهز لها بصفاتها وقد سُئل الإمام الجواد عليه السلام لماذا يخاف الناس من الموت ؟ فأجاب صلوات الله عليه إجابة دقيقة

ما بال هؤلاء المسلمين يكرهون الموت أليس هم في الطريق يلتقون فيه مع الأنبياء مع الأئمة عليهم السلام هذه دار رضوان ودار النعيم لما يكرهوا المسلمين الموت قال صلوات الله وسلامه عليه “لأنهم جهلوه فكرهوه ولو عرفوه وكانوا من أولياء الله لأحبوه ولعلموا أن الآخرة خير لهم من الدنيا ”

السبب الثالث : الخوف من مواجهة الأعمال

ماذا عملت في هذه الدنيا ؟ ماذا صنعت في هذه الدنيا ؟ الله سبحانه وتعالى يبين في كتابه إنه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها في كتاب .

مهما صنع الإنسان صغيراً أو كبيراً صنيع حسن أو صنيع سوء هذا العمل يظهر ويتجسد له في دار الآخرة بل في برزخه بل حتى في قبره (ووجدوا ما عملوا حاضراً ) الحقيقة أن كل ما يصيبهم إنما هو بسبب أعمالهم ( ولا يظلم ربك أحدا )

القبر ليس بالضرورة الذي يكون فيه اللحد أينما مات الإنسان كان محل روحه هو هذا القبر ليس بالضرورة الذي يكون فيه اللحد مات الإنسان غريقاً أو في الجو ….الخ هو يتخلص من هذا الجسد المادي ولكن له جسد في قبره (في برزخه) يسمى جسداً برزخياً

كيف نعرف الجسد البرزخي ؟

مثل الواحد النائم ويحلم بنفسه يمشي ويركض ويقعد ولكن هذا الجسم لا يمس طول ولا عرض ولا ارتفاع هذا الجسم هو الجسم البرزخي ولذلك عُبر عن النوم بأنه موت أصغر .

إذاً مسألة الموت مسألة انتقال من حياة إلى حياة أخرى وليست عدم وفناء ، نعم فناء من هذه الدنيا يعدم وجودي من هذه الدنيا ولكن أنا انتقل من مرحلة إلى مرحلة أخرى.

مثل طالب المدرسة ينتقل من مرحلة ابتدائي إلى متوسطة إلى ثانوي ثم إلى الجامعة ، انتقل من مرحلة إلى مرحلة هذا هو الموت انتقال .

ربما يتجهز الإنسان للمرحلة الثانوية ربما يخرج لأي سبب من الأسباب فينقطع أمامه الطريق .

أما مرحلة البرزخ والقيامة فنصل إليها سواء تأهبنا أم لا صار عدنا استعداد أم لا

لاحظوا تدني الحكمة عند الإنسان يخطط لمستقبله الدنيوي لكنه يتجاهل ذلك المستقبل الغامض ولا يخطط له ولا يحاول معرفته يستعد لدراسته لوظيفته لزواجه لبناء منزله يخطط لمستقبله وقد يكون هذا التخطيط متعارض مع الآخرة

إذاً كيف أتمكن من بناء هذه الدنيا لتعميد الآخرة ؟

لابد أن احسن اختياراتي زوجة أو زوج صالح ، تنشئة أولاد صالحين ، خدمة الناس بعمل راقي وخلص ، تحقيق الآمال والطموحات والرغبات لدار الآخرة وليس دار الدنيا .

أن أجعل هذه الحياة لرسم المقدمات ولتحقيق الرغبات في الآخرة إذا جاء الموت رب ارجعون انتهى  خلاص ما فيه رجعة يقول الإمام الصادق عليه السلام ( اكفونا البرزخ نكفيكم يوم القيامة )

اكفونا البرزخ يعني تعالوا براية بيضاء فإذا كانت عندكم نقائص عندكم أشياء مكسورة احنا نصلحها مو جوا خاليين .

الشفاعة ليست معناها أن نتواكل ونقول الأمر لأهل البيت عليهم السلام ليس معناها أن اسود وجهي وأقول لأهل البيت اشفعوا لي .

إذا كانت الحياة الحقيقة هناك في الآخرة علينا أن نختار في هذه الحياة الدنيا أي نعيشها هناك .

هذا الأمر ربما الذي يكون باختيارنا .

وأن تكون اختياراتنا تبنى عليه فنحن جئنا لهذه الدنيا بدون اختيار نعيش عدد سنين بدون اختيار ولكننا نختار أي الطريقين نريد أن ينتهي بنا المسير أما إلى حياة خالدة في الجنة وأما إلى حياة ربما تكون خالدة وربما لا في النار واليوم الواحد في النار والساعة الواحدة في النار لا يمكن تصورها للحظة .

يقول أمير المؤمنين لابنه الحسن في وصيته وصية طويلة شاملة للمضامين وهذه فقرة منها

واعلم الكلام من الإمام أمير المؤمنين عليه السلام  “واعلم إنك خلقت للآخرة لا لدنيا وللفناء لا للبقاء وللموت لا للحياة وإنك في منزل قلعة (يعني سوف تقتلع شئت أم أبيت ) ودار بلغة ( من هذه الدار تبلغ إلى تلك الدار ) وطريق للآخرة وإنك طريد الموت ( الموت يلحقك أينما ذهبت ) الذي لا ينجو منه هاربه ( مهما تداوى الإنسان مهما تشافى الإنسان مهما بحث الإنسان عن أسباب البقاء مهما تمسك في هذه الحياة الدنيا فلا مهرب له من الموت ) ولابد أنه يدرك يوماً فكن منه على الحذر أن يدركك على حال سيئة قد كنت تحدث نفسك فيها بالتوبة ( لا طريق في هذه الدنيا إلا طريق التوبة ) فيحول بينك وبين ذلك فإذا أنت قد أهلكت نفسك ) لا مرجع في هذه الساعة (رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً ) الموت كلمة قالها الله سبحانه وتعالى فلا مرد لها ولا مهرب منها على الإطلاق .

هذه الوصية من وصايا معصوم لمعصوم ونحن نعلم أن هذا الكلام ليس للمعصومين فالمعصوم لا يخطأ ولا يزل ولا يقصر وإن كان العمل لله سبحانه لا يُدرك كماله إلا إنه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون بالرغم من ذلك أمير المؤمنين علي يحذر الإمام الحسن عليه السلام وكأنما الكلام إياك أعني واسمعي يا جارة

أولياء الله نظروا إلى الدنيا بعين أنها فانية وإلى الآخرة أنها باقية  فتزودوا منها كزاد الراكب فخربوا الدنيا وعمروا بها الآخرة ونظروا إلى الآخرة بقلوبهم وما هذه الدنيا وما تساوي في عين القاسم بن الحسن لا تساوي عنده حتى شسع نعله .

في اليوم الثامن من المحرم عمته زينب كانت واقفة تنظر إلى القاسم كيف يبكي ويتوسل بالحسين بأن يعطيه الرخصة في البراز والذب عن حرم الرسول صلى الله عليه وآله

جاء إلى عمته زينب عليها السلام لماذا لا يسمع لي عمي الحسين بالقتال دونه والله لقد قطع قلبي ندائه “هل من ناصر ينصرني هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

يعز على الإمام الحسين عليه السلام أن يعطي الرخصة إلى القاسم لأنه كان إذا اشتاق لأخيه الحسن عليه السلام نظر إلى القاسم

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة