الاستئذان ـ القسم الثاني
- السلام عند الدخول للبيت
﴿فسلموا على أنفسكم﴾ المراد فسلموا على من كان فيها من أهلها وقد بدل من قوله: ﴿على أنفسكم﴾ للدلالة على أن بعضهم من بعض فإن الجميع إنسان وقد خلقهم الله من ذكر وأنثى على أنهم مؤمنون والإيمان يجمعهم ويوحدهم أقوى من الرحم وأي شيء آخر.
وليس ببعيد أن يكون المراد بقوله: ﴿فسلموا على أنفسكم﴾ أن يسلم الداخل على أهل البيت ويرد السلام عليه.
وقوله: ﴿تحية من عند الله مباركة طيبة﴾ أي حال كون السلام تحية من عند الله شرعها الله وأنزل حكمها ليحيي بها المسلمون وهو مبارك ذو خير كثير باق وطيب يلائم النفس فإن حقيقة هذه التحية بسط الأمن والسلامة على المسلم عليه وهو أطيب أمر يشترك فيه المجتمعان.
ثانيا :أدب الاستئذان داخل البيت ..
متى يجب الاستئذان وعلى من يقع الوجوب ؟
وطبيعي أنّ المخاطب هنا هم أولياء الأطفال ليعلموهم هذه الأُصول، لأنّ الأطفال لم يبلغوا بعد سنّ التكليف لتشملهم الواجبات الشرعية.
يقع الوجوب حسبما ذكرته الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ﴾: قبل الدخول عليكم وهذا استئذان خاص وقد سبق الحديث عن الاستئذان العام وقد تناولت الآيات استئذان الأطفال البالغين وغيرالبالغين للدخول إلى الغرفة المخصصة للزوجين
- ﴿الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾: أي العبيد، ولا وجود لهم اليوم، ولكن الحكم يشمل الخدم من الذكور والإناث
- ﴿وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ﴾: الإحتلام
وقته : ﴿مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ﴾: يقول سبحانه: مروا الخدم والصغار – وبالأولى الكبار – أن يستأذنوا قبل الدخول عليكم في ثلاثة أوقات، لأنها مظنة انكشاف العورة، وهذه الأوقات هي 1)
- ﴿مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ﴾: حيث يكون الإنسان آنذاك نائمًا أو في ثياب النوم وهذا وقت القيام من المضاجع وتبديل لبس الليل بلبس النهار
- ﴿وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ﴾: وقت القيلولة والاستراحة”الظهيرة” تعني كما يقول “الراغب الإصفهاني” في مفرداته “والفيروزآبادي” في القاموس المحيط: منتصف النهار وقريب الظهر حيث ينزع الناس عادة الملابس الإضافية، وقد يختلي الزوج بزوجته.
- ﴿وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء﴾: حيث يتجه الإنسان إلى فراشه أو إلى شأنه الخاص ووقت تبديل لبس اليقظة بلبس النوم
لماذا اختيرت هذه الأوقات ..
العلة : (ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ﴾: جمع عورة، وهي كل ما يستره الإنسان من أعضائه حياء من الناس
قال ليستأذن الذين ملكت إيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات كما أمركم الله قال: ومن بلغ الحلم فلا يلج على أمه ولا على أخته ولا على خالته ولا على من سوى ذلك إلا بإذن ولا تأذنوا حتى يسلم فإن السلام طاعة لله – عز وجل – وقال: وليستأذن عليك خادمك إذا بلغ الحلم في ثلاث عورات إذا دخل في شئ منهن ولو كان بيته في بيتك قال: وليستأذن عليك بعد العشاء التي تسمى العتمة وحين تصبح وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة إنما أمر الله – عز وجل – بذلك للخلوة فإنها ساعة عزة وخلوة.
والقمي قال إن الله تعالى نهى أن يدخل أحد في هذه الثلاثة الأوقات على أحد لا أب ولا أخت ولا أم ولا خادم إلا بإذن.
وعلى كلّ فإنّ إطلاق كلمة (العورة) على هذه الأوقات الثلاثة بسبب كون الناس في حالة خاصّة خلال هذه الأوقات الثلاثة، حيث لا يرتدون الملابس التي يرتدونها في الأوقات الأُخرى.
ويَخصُّ هذا الحكم المكان المخصَّص لاستراحهِ الوالدين. أمّا إذا كان في غرفة عامّة يجلس فيها آخرون أيضاً، فلا حاجة للإستئذان منهما بالدخول.
ما أوجه الاستثناء في ذلك ؟؟
﴿لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ﴾: لا بأس على الخدم والصبيان ولا على ذويهم في الدخول من غير استئذان في بقية الأوقات ﴿طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾: تترددون عليهم، ويترددون عليكم، فيغتفر لهم ما لا يغتفر لغيرهم. وفي هذا إيماء إلى أن المخالطة الجائزة شرعًا عذر يسقط منه بعض الأحكام تمامًا كالضرورات التي تبيح المحظورات.
﴿وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا﴾: في جميع الأوقات دون استثناء لوقت من الأوقات الثلاثة وغيرها ﴿كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾: وهم الرجال الكبار من الأباعد والأقارب كما سبق في الآية 27 من هذه السورة.
- الاستئذان للزيارة :
أولا : بيان لزوم الاستئذان ..
نحن نعتقد أنه ليس هنالك اثنينية في الالتجاء إلى الله تعالى وإلى المعصومين (ع)، فإننا نتوسل بالمعصوم (ع) على أنه طريق الوصول إلى الله تعالى، فقصد المعصوم (ع) هو قصد لله تعالى، أي أن هنالك علاقة طولية لا عرضية في القصد. . ونحن إنما أطعنا النبي والأئمة (ع)، لأنهم السبيل إلى الله تعالى، ولأنهم الباب الذي منه يؤتى، ولأنهم وجه الله الذي يتوجه إليه الأولياء.. فلا مانع أبدا من أن نعيش مشاعر مختلفة، فتارة نعيش الشوق إلى الله تعالى، وتارة نعيش الشوق لأوليائه المعصومين (ع)، وكلاهما يعود إلى شوق واحد.
إن الاستئذان والإذن، كلاهما مفهومان مترابطان متلازمان.. والذي يدخل هذه المشاهد المشرفة، لابد أن يستأذن، باعتبار أن لها أصحاب، إذ كما أن هناك متول ظاهري وهو الذي يتولى الأوقاف من البناء وغيره، أيضا هناك متول واقعي وهم أصحاب هذه المشاهد أي الأئمة (ع).
ولهذا نلاحظ في كتب الزيارة والدعاء، ذكر مرات متعددة من الاستئذان: أولا استئذان رب العالمين، باعتبار أنه خالق الوجود وصاحب الوجود.. ثم استئذان جدهم المصطفى (ص)، باعتبار أن استئذان الجد مقدمة لاستئذان الحفيد.. ثم استئذان الملائكة المحدقين بهذه المشاهد المشرفة.. ويستفاد من الروايات التي وردتنا من أئمة أهل البيت (ع)، أن هنالك حركة ملائكية متواصلة في مشاهدهم، أفواج تنزل وأفواج تصعد، وأن بعض الملائكة تنتظر دورها في زيارة المعصومين، خصوصا سيد الشهداء (ع).. فالملائكة المقربون ينتظرون دورهم في التشرف بزيارة هذه المراقد المشرفة، في حين أننا نزورها بكل سهولة ويسر!..
ثم بعد الإذن من الله ورسوله والملائكة، نستأذن من صاحب المشهد، فإذا كنا في زيارة لأبي عبد الله (ع)، نقول: أأدخل يا أبا عبد الله.. أو إذا كنا في زيارة الأمير (ع)، نقول: أأدخل يا أمير المؤمنين..
ثانيا :علامات الإذن والقبول للمزور
إن العلماء قد ذكروا علامة ظاهرية، وهي: جريان الدمع ولو بمقدار جناح بعوضة.. ولكن هذه العلامة إنما هي كاشفة عن تحقق وجود حالة باطنية، وهي رقة القلب، فإذا وجدت حالة الرقة وإن لم تصاحبها حالة البكاء، فقد تم المقصود
إن حالة البكاء والرقة الباطنية علامة لسائر الزوار، ولكن للخواص من الزائرين والمحبين هناك علامة أخرى، وهي: أن يعيش حالة السكينة والاطمئنان والارتياح النفسي.. حتى أن بعض الخواص عندما يدخل المشاهد قد لا تنتابه حالة من حالات البكاء الشديد، أو حالة الرقة المتعارفة عند الآخرين، بل تنتابه حالة من حالات الوجوم والتأمل، ويعيش بين يدي المعصوم، ويستحضر وجوده، وحتى لسانه يتوقف عن الذكر من شدة المواجهة مع صاحب ذلك المشهد..
فإذن، علامات الإذن: الرقة الباطنية، وحالة البكاء الظاهري، وحالة الاطمئنان والاستقرار النفسي، والعيش في محضر المعصوم.
لذا ينبغي للمؤمن أن يترصد حالات الإقبال، ويهيئ نفسه قبل الزيارة، فلا يزور إلا في الوقت الذي يكون فيه مقبلا ومرتاحا نفسيا وبدنيا..
ثالثا :حالة الإدبار
إن البعض يشتكي من حالة الإدبار في الزيارة، فيقول: نحن جئنا من أماكن بعيدة لزيارة سيد الشهداء (ع)، وكنا نتوقع حالة من حالات التفاعل الشديد، ولكن لما ذهبنا لم نستشعر هذه الحالات!..
وهذا بالتأكيد نتيجة تقصيرهم في التهيؤ للزيارة كما ينبغي، فالإنسان بإمكانه أن يعيش حالة التهيؤ التدريجي خارج المشهد، من لحظة خروجه من المنزل.. ومن هنا نحن نلاحظ أن الحاج أو المعتمر يلبس ثوبي الإحرام في ميقات مسجد الشجرة، وبينه وبين دخول الحرم مسافة أربع أو خمس ساعات، فهو في خلال هذه الفترة يهيئ نفسه للدخول إلى المسجد الحرام..
وكذلك بالنسبة إلى المشاهد المشرفة، فلابد من هذه التهيئة.. وقد يكون الذي يذهب للزيارة ماشيا، لديه فرصة كافية لعل أيام وليال، ليعيش حالة التهيؤ لتلك اللحظة من مواجهة قبر المعصوم..
ونلاحظ في مضامين زيارات الأئمة-كما في كتاب كامل الزيارات- أن المعصوم يعلمنا التدرج في الزيارة، فمثلا يقول: قف أمام الرأس الشريف، ثم انكب على القبر.. وإن كان هذا العمل لا يمكن هذه الأيام ولكن إن صحت النسبة للمعصوم، فإننا نستفيد أن الزيارات فيها نوع من أنواع التدرج، مما يؤيد هذه النظرية، بأنه لابد من التهيؤ التدريجي لمواجهة الإمام.
رابعا : ما ينبغي فعله عند حالات الإدبار وعدم تحقق علامة الإذن:
الإن المكوث عند الباب والاستئذان حتى تتحقق علامات الإذن، ليس إلزاما فقهيا.. بل هذا أدب من الآداب المعنوية، ومن المعلوم أنه بإزاء كل أمر عبادي ظاهري في الشريعة آداب معنوية باطنية، فهنالك أحكام فقهية للحج وهنالك آداب معنوية للحج ذكرها الإمام السجاد (ع) في حديث الشبلي المعروف، وهكذا الصلاة والصوم وسائر العبادات..
فإذا ذهب المؤمن إلى المشهد وكان يعيش حالة الإدبار، ومكث في الرواق ولم تأته الرقة، ووقف عند الباب ولم تأته الرقة.. فهنا ينبغي عليه أن يزور المعصوم، ولكن مع بث الشكوى، وبحالة المريض الذي يطلب الشفاء من الله تعالى، وبمثابة إنسان أراد أن يقوم بعمل ما، ولكنه رأى نفسه غير قادر، فإذا كان بطل من أبطال رفع الأثقال قد هيأ نفسه لرفع الثقل، ولكن عضلاته لم تعنه وفاجأته بعلة، فما الذي يعمله إلا أنه يشتكي أمره إلى من يعالجه..
فالذي يدخل الأماكن المقدسة ويعاني من حالة إدبار، ولا يرى حالة الرقة، فليدخل ولكن ليقل: يا مولاي، أنت ترى حالي، أنا أتيتك من شقة بعيدة، قطعت الفيافي والمنازل، وجئتك ماشيا، ولكني لما دخلت حرمك، وكأنني دخلت أي مكان من الأماكن التي لا خصوصية لها!..
فبث الشكوى وطرح الأمر على الموالي (ع)، قد يكون من موجبات مجيء الرقة القوية عند الضريح، بحيث يصبح هناك شيء من التعويض عن الحالة السابقة.. ولكن لا ننسى أيضا هذه الرواية عن الإمام علي (ع): (ما جفت الدموع إلا لقسوة القلوب، وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب).