الاستئذان _ القسم الأول

img

قال تعالى في كتابه وشريف خطابه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم)

محاور البحث : 1- ما معنى الاستئذان ولماذا يجب أن نعرف آدابه ؟؟

2- التعرض  لبعض  مصاديق الاستئذان  في الشريعة المقدسة:

  • البسملة قبل البدء بأي عمل
  • ما تعرضت له سورة النور( الإذن لـ: دخول البيوت وما استثني من ذلك – الاستئذان داخل البيت )

3- الحديث حول الاستئذان للزيارة

خلق الله سبحانه هذا الكون وفق نظام لا تساوره أدنى ثغرة في دقته وذلك لضمان استقرار حياة المخلوقات ولم تكن التشريعات السماوية إلا الرسول الأول لذلك فقد جاءت رسالات الأنبياء  بتشريعات تنظم حياة البشر ومن ذلك ما ورد في الشريعة المقدسة من آداب تبين الوجهة الحقة لمن أراد أن يتعامل مع الآخرين من منطلق أن الدين المعاملة ومن هذه الآداب أدبٌ أوشك أن يكون مُضيّعا ألا وهو أدب الاستئذان

المحور الأول : ما معنى الاستئذان ولماذا يجب أن نعرف آدابه ؟؟

  • ما هو الاستئذان ؟؟

استأذنَ / استأذنَ على ،يستأذن ، استئذانًا ، فهو مُستأذِن ، والمفعول مُستأذَن
اِسْتَأْذَنَ الزَّائِرُ : طَلَبَ الإِذْنَ للقِيامِ بِعَمَلٍ مَّا
اِسْتَأْذَنَهُ فِي الكَلامِ : طَلَبَ الإذْنَ فِيهِ
اِسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ : طَلَبَ الإِذْنَ لِلدُّخُولِ عَلَيْهِ

 

الاستئذان في اللغة هو طلب الإذن، والإذن من أَذِنَ بالشيء إِذْنًا؛ بمعنى أباحه، وعليه فإن الاستئذان هو: طلب الإباحة.

أصل هذا الفعل “أذن”، زيدت الألف، والسين، والتاء، لتعطي معنى الطلب.

و “أذن” كسمع، يقال: أذن بالشيء إذنًا، أذنا، وأذانة، إذا علم.

تقول: ذهبت إلى كذا، بإذنه، أي بعلمه، ومثله: إذا قلت: فعلت كذا بإذنه، أي بعلمه، أما إذا أردنا أن نعلم آخر، فيقال: آذنته – بالمد – بكذا، أوذنه، إيذانًا، وإذنًا، إذا أعلمته، قال : تعالى: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ ، معناه: أعلموا أن كل من لم يترك الربا، بأنه حرب من الله ورسوله.

أما “الآذن“: بكسر الذال، فهو الحاجب، في مدرسة، أو محكمة، أطلق عليه ذلك، لأنه لا يسمح لأحد بالدخول، إلا بعدما يأذن له. أما إذا قلنا: أذن أحمد لخالد أذنًا، فهو بمعني استمع إليه.

ومثل ذلك قوله تعالى: وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ أي – استمعت.

وإذا قلنا: آذنني الشيء: أي أعجبني، فاستمعت إليه.

أما في الشرع فيعني: طلب الإذن في الدخول لمحل لا يملكه المستأذن.وهو طلب الإذن للتصرف في ملك الغير

لماذا يجب أن نتعرف على الاستئذان وآدابه؟؟؟

ومن تأمل أحكام الإسلام السامية وآدابه الراقية في باب احترام خصوصية الناس، ومراعاة حرمة البيوت فسيدرك أننا متخلفون عن الإسلام، كما سيدرك شدة غربة الإسلام بين الخاصة فضلاً عن العامة.

ونحن بحاجة شديدة للتعرف على آداب الاستئذان والعمل بها رفعًا للحرج عن أنفسنا وعن الناس، لاسيما في هذه الأزمنة التي قلَّ فيها العلم وقلَّد الناس – أو كثير منهم – الكفار في عاداتهم ونظم حياتهم.

المحور الثاني: التعرض  لبعض  مصاديق الاستئذان في الشريعة المقدسة

  • البسملة

ذكر الشيخ حبيب الكاظمي ( دام ظله) :إن من الآداب الباطنية للصلاة، بعد التكبير والإستعاذة، التسمية.. ومن المعلوم أن التسمية -{بسم الله الرحمن الرحيم}- جزء لا يتجزأ من سور القرآن الكريم، وهي جزء من كل سورة، وهي آية في سورة الفاتحة فقط ؟؟على وفق ما يفهم من روايات أهل البيت عليهم السلام.. إن التسمية حقيقة من الحقائق الكبرى، في حياة الإنسان المؤمن.. وعلى المصلي أن يستحضر معاني التسمية التي منها:

الاستئذان: إنها بمثابة استئذان المولى، وصاحب هذا الملك، في التصرف في ملكه.. فإذا كان الإنسان جالسا في بيت أحد الأصدقاء، وأراد أن يأخذ متاعا من ذلك البيت، فمن الطبيعي أن يستأذن صاحبه، وإن كان ذلك الصديق راضيا في قلبه؛ لأنه هكذا جرت العادات، والآداب بين الناس.. والعبد في محضر الله -عز وجل- ويريد أن يأكل مما خلق من: الطعام، والشراب، واللباس؛ فمن الأدب أن يستأذن مولاه.. واستئذانه لا يحتاج إلى جواب، وإنما استئذانه يكون بالتسمية.. والإنسان عندما يركب السيارة أو الدابة ويسمي، فاستئذانه يعني الموافقة.. والله -عز وجل- أكرم وأجلّ من أن يسميه الإنسان، ويذكر اسمه؛ ولا يأذن له بالتصرف!.. فما قيمة الوجود بين يدي الله -عز وجل- كيلا يأذن له في التصرف، وهو قد سمى باسمه الكريم.. فإذن، إن التسمية نوع استئذان للتصرف في ملك الله سبحانه وتعالى

  • ما ذكر في سورة النور:
  • الاستئذان لدخول البيوت وما استثني من ذلك

الآيات 27-29-61من سورة النور..

  • الاستئذان للدخول على الوالدين

الآيات 58-59من سورة النور

من الجميل أن نتوقف  عند هذا السؤال : لماذا تحدثت سورة النور عن الاستئذان .. إنّ أهم مسألة تابعتها هذه السورة هي مسألة العفاف العام ومكافحة كل انحطاط خلقي، بأبعاده المختلفة.

أولا :أدب الاستئذان لدخول البيوت ..

من أعظم النعم التي أنعم الله بها على بني الإنسان نعمة السكن، تلك الأماكن التي خصَّ الله بها الإنسان فستره عن الأبصار، وملَّكه الاستمتاع بها، وحجر على الخلق أن يطلعوا على ما فيها من الخارج، أو يدخلوها بغير إذن أصحابها؛ لئلا يهتكوا أستارهم، ويتعرفوا أخبارهم، ولأجل أنها نعمة عظيمة فقد امتن الله بها على بني آدم: {والله جعل لكم من بيوتكم سكنًا)

وإنما سُمي البيت مسكنًا لأنه محل الارتياح والسكينة والاطمئنان والاستقرار والأمان؛ فالبيت هو آخر ملاذ لصاحبه، فإذا فقد السكينة فيه فأين يذهب

ولا ريب في أن لوجود الإنسان بعدين: بعد فردي، وآخر إجتماعي، ولهذا فله نوعان من الحياة: حياة خاصّة، وأخرى عامّة. ولكل واحدة خصائصها وآدابها، حيث يضطر الإنسان في البيئة الإجتماعية إلى تحمل قيود كثيرة من حيث اللباس والحركة، ومواصلة الإنسان حياته على هذا النسق وحده – خلال الأربع والعشرين ساعة – مُتعب ويبعث على الضجر، إذ أنّه يرغب في أن يكون حراً خلال فترة من الليل والنهار ليستريح بعيداً عن هذه القيود، مع أسرته وبين أولاده، لهذا يلجأ إلى منزله الخاص به، وينعزل بذلك عن المجتمع بشكل مؤقت، ليتخلص من قيوده، فيجب أن يكون محيط المنزل آمناً إلى حدٍّ كاف.

 

وأمّا إذا أراد كلّ عابر الدخول إلى منازل الآخرين، فلا تبقى حرمة لمنازل الناس، ويسلب منها أمنها وحريتها، وبهذا تتحول إلى بيئة عامّة كالسوق والشارع. ولهذا السبب كانت بين الناس – على مرّ العصور – أعراف خاصّة في هذا المجال. حتى أن جميع قوانين العالم تمنع الدخول إلى منازل الآخرين دون استئذان وتعاقب عليه، وحتى في حالات الضرورة القصوى ولغرض حفظ الأمن وغايات أخرى أجيز عدد قليل على وفق القانون بالدخول إليها.

 

ونصّت الأحكام الإسلامية على تعاليم وآداب خاصّة في هذا المجال، لا يشاهد نظيرها إلاّ نادراً.

ولنا في رسول الله أسوة حسنة :

وجاء في حديث آخر عن الامام الباقر(ع) عن جابر بن عبد اللّه الانصاري قال: “خرج رسول اللّه(ص) يريد فاطمة(عليها السلام) وأنا معه فلما انتهينا إلى الباب وضع يده فدفعه ثمّ قال: السلام عليكم، فقالت: فاطمة(عليها السلام): عليك السلام يا رسول اللّه، قال: أدخل؟ قالت: اُدخل يارسول اللّه، قال(ص):أدخل ومن معي؟ قالت: يارسول اللّه ليس عليّ قناع، فقال: يا فاطمة خذي فضل ملحفتك فقنعي به رأسك ففعلت، ثمّ قال: السلام عليكم، فقالت: وعليك السلام يارسول اللّه، قال أدخل قالت: نعم يار سول اللّه، قال أنا ومن معي؟ قالت: ومن معك، قال جابر: فدخل رسول اللّه(ص) فدخلت…”([1]4)

 

وهذا الحديث يبيّن لنا كيف كان النبي(ص) وهو القدوة للمسلمين كافة، يراعي هذه الأُمور بدقة، وحتى جاء في حديث.

بعض آداب الدخول للبيوت :

  • طرق الباب ثلاثا مع وجود فاصل زمني :

عن أبي عبدالله الصادق(ع) قال: “الاستيذان ثلاثة: أوّلهنّ يسمعون، والثّانية يحذرون، والثّالثة إن شاؤوا أذنوا وإن شاؤوا لم يفعلوا فيرجع المستأذن”.([2]5)

 

ويرى بعض المفسّرين ضرورة وجود فواصل زمنية بين كل استئذان وآخر، إذ قد يكون صاحب المنزل لم يتهيأ – بعد – بلباس مناسب، أو يريد تغيير هيئة أو إعداد منزله، فيجب إعطاءه فرصةً ليعدّ نفسه ومنزله لاستقبال ضيفه، وعلى الضيف الإنصراف دون انزعاج أو توتُّر إن لم يُسمح له بالدخول.

وهذا ما عبرت عنه الآية 27 من سورة النور بالاستئناس والسلام :

يقول السيد الطباطبائي

الأنس بالشيء وإليه الألفة وسكون القلب إليه، والاستيناس طلب ذلك بفعل يؤدي إليه كالاستيناس لدخول بيت بذكر الله والتنحنح ونحو ذلك ليتنبه صاحب البيت أن هناك من يريد الدخول عليه فيستعد لذلك فربما كان في حال لا يحب أن يراه عليها أحد أو يطلع عليها مطلع.

 

ومنه يظهر أن مصلحة هذا الحكم هو الستر على عورات الناس والتحفظ على كرامة الإيمان فإذا استأنس الداخل عند إرادة الدخول على بيت غير بيته فأخبر باستيناسه صاحب البيت بدخوله ثم دخل فسلم عليه فقد أعانه على ستر عورته، وأعطاه الأمن من نفسه

يقول الشهيد مطهري :

تتعلق هذه الآيات بـ”الاذن” وعدم جواز دخول الشخص إلى دار غيره بدون إذن مسبق. هذه الآيات لا تختص بقضية المرأة ولكن تدور ضمن محورها. وهذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾ (النور/27) أي لا تدخلوا على حين غرة بيوتا أخرى غير بيوتكم بما في ذلك بيت الأم والأخت – والأخ بطريق أولى – قبل الاستئذان والسلام والاستئناس بمعنى وجود السكينة والأمن عند أهل الدار إزاءكم.

 

وهذه النقطة في غاية الوضوح وهي إن الحياة الداخلية والعائلة لكل إنسان خاصة به تماما ولا يحق لأحد اختراقها لأن ذلك يسبب الفزع والاضطراب عند صاحب الدار. القرآن يؤكد على ضرورة إزالة هذا الفزع مسبقا عن طريق الإذن والاستئناس.

 

لم يكن من المتعارف في القديم أن البيوت تغلق أبوابها. “وكذلك الحال الآن في بعض القرى”. أما في الوقت الحاضر فالبيوت في المدن مغلقة أبوابها ولا بدّ لمن يريد الدخول من قرع الباب أو ضرب الجرس. وكان من عادة العرب في الجاهلية الدخول إلى بيوت الآخرين بلا إذن بل كانوا يعتبرون الاستئذان حطا من شأن المستأذن. وهذا حكم جاء به الإسلام وأمر بعدم دخول بيوت الآخرين بغير إذن حتى وأن كانت الباب مفتوحة.

 

﴿وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾ ولا تدخلوا بيتا بدون السلام من الداخل على صاحب البيت. وقد أقرّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذه السنة، أي إذا أراد أحد دخول دار يجب أن يعلمهم أولا لكي يرتبوا أنفسهم ويستعدوا، ولا

يدخل مالم يقال له “تفضل”. ومن الأفضل طبعا أن يستأذن المرء بدلا من “التنحنح” بذكر الله، كأن يقول:” الله أكبر” أو “سبحان الله” والمتعارف حاليا أن الناس يقولون عند الاستئذان “يا الله” وهي سنة حسنة.

 

كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يدخل بيتا حتى يستأذن، وحتى دار بنته فاطمة الزهراء سلام الله عليها كان يقف خلف الباب وينادي:”السلام عليكم يا أهل البيت ” فإذا أذن له يدخل، وإذا لم يسمع الإذن يكرر ثانية: ” السلام عليكم يا أهل البيت” إذا أُذن له يدخل، وإذا لم يصل الأذن إلى سمعه، كان يسلم ثالثة – مخافة إن لم يكونوا قد سمعوا – وإذا لم يأته الأذن في المرة الثالثة يعود ويقول أما أنهم ليسوا في البيت أو أنهم في وضع لا يسمح لهم باستقبال أحد، ولم يكن يضجره ذلك.

 

﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (النور/27) بمعنى أن مصلحتكم في هذا العمل. ويجب أولا أن تطبقوه، ثم تعلمون فائدته لا حقا.

 

من القصص المشهورة في هذا المجال : قصة “سمرة بن جندب” الذي كان شخصا سيئ الأخلاق، ووقفا في ما بعد في عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) وفي أيام معاوية مواقف مشينة. هذا الشخص كانت له في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نخلة في دار أحد أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله). وبما أن نخلته كانت في دار ذلك الرجل، فقد كان له حق الدخول إلى هناك ورعايتها، ولكن كان ينبغي عليه الاستئذان متى ما أراد الدخول، إلاّ أنّه لم يكن يستأذن، بل يدخل إلى دار ذلك الرجل بغتة؟ ومن الطبيعي أن كل إنسان يكون في داره في حالة لا يحب أن يراه الآخرون عليها” ويثير غضبه. فنبهه صاحب الدار عدّة مرات على ضرورة الاستئذان، إلا أنه لم يأبه لذلك. فجأة الرجل إلى رسول الله (صلى الله وعليه وآله) وشكا إليه الأمر، فاستدعى الرسول سمرة بن جندب وأمره بالاستئذان إلا أنه أبى، فقال له رسول الله: أنا اشتري هذه النخلة منك وأعطيك خير منها في موضع آخر، فرفض.

 

فقال له: أعطيك نخلتين بدلا منها، فلم يوافق، وحتى أنه عرض عليه عشرة بدلا منها. فابي. فقال له: اضمن لك بدلا منها نخلة في الجنة. فقال: لا أريد نخلة في الجنة ولا أستاذن في الدخول على نخلتي. واثبت بهذا الأسلوب انه رجل متجبر “وكما سبقت الإشارة فان الإسلام يأتي أولاً من باب اللين، وإذا لم تتحقق النتيجة المرجوة يلجأ إلى أسلوب القوة” فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) صاحب الدار أن يقلع الشجرة ويلقيها أمامه، وقال:”إنه رجل مضار وإنه لا ضرر ولا ضرر على مؤمن”.

يقول الشيخ محسن الفيض الكاشاني لماذا عبر القرآن بـ: استأنسوا والذي يلفت النظر في هذه الجملة استعمالها “تستأنسوا” ولم تستعمل “تستأذنوا” لأنّ الجملة الثّانية لبيان الإستئذان بالدخول فقط، في الوقت الذي تكون الجملة الأُولى مشتقّة من “أنس” أي الإستئذان المرافق للمحبّة واللطف والمعرفة والإخلاص، وتبيّن كيف يجب أن يكون الإستئذان برفق وأدب وصداقة، بعيداً عن أي حدّة وسوء خلق. ولو تبحرنا في هذه الجملة على هذا الأساس لوجدنا فيها الكثير من الأدب الذي يدور حول هذا الموضوع، وهو يعني ألا تصرخوا وألاّ تقرعوا الباب بقوة، وألا تستأذنوا بعبارات حادّة، وألا تدخلوا حتى يُؤذنَ لكم، فتسلّموا أوّلا سلاماً يستبطن مشاعر السلام والود ورسالة المحبة والصداقة.

 

وممّا يلفت النظر في هذا الحكم الذي يتصف بأبعاد إنسانية وعاطفية واضحة، مرافقته لجملتين أولاها: (ذلكم خير لكم) وثانيها: (لعلكم تذكرون). وهذا بحدّ ذاته دليل على أن لهذه الأحكام جذوراً في أعماق العواطف والعقول الإنسانية، ولو دقق الإنسان النظر فيها لتذكر أن فيها الخير والصلاح.

وقيل: إن قوله: ﴿لعلكم تذكرون﴾ تعليل لمحذوف والتقدير قيل لكم كذا لعلكم تتذكرون مواعظ الله فتعملوا بموجبها، ولا بأس به.

 

وقيل: إن في قوله: ﴿حتى تستأنسوا وتسلموا﴾ تقديما وتأخيرا والأصل حتى تسلموا وتستأنسوا.

 

  • عدم استقبال الباب بالوجه أثناء الاستئذان :

نقرأ في حديث أن الصحابي الجليل أبا سعيد الخدري استأذن على الرّسول(ص) وهو مستقبل الباب فقال عليه الصلاة والسلام: “لا تستأذن وأنت مستقبل الباب”.

جاء في حديث  أن النّبي(ص) كان إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب. من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر فيقول: السلام عليكم، وذلك لأنّ الدور لم يكن عليها حينئذ ستور.

  • عدم الدخول في حال عدم تحصيل الإذن :

(فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم).

 

قد يكون المراد من هذه العبارة أنَّهُ رُبَّما كانَ في المنزل أحد، ولكن من لدَيه حقّ إعطاء الإِذن بالدخول غيرموجود، ففي هذه الحالة لا يحق للمرء الدخول إلى المنزل.

 

أو قد لا يوجد أحد في المنزل، ولكن صاحب المنزل على مقربة من ذلك المكان، أو في منزل الجيران بحيث لو طرق المرء الباب أو نادى صاحبه فقد يسمعه، ثمّ يحضر ليسمح له بالدخول، وعلى أي حال، فالمسألة المطروحة أن لا ندخل منزلا دون إذن.

 

  • الرجوع في حال عدم الإذن بالدخول دون غضاضة

ثمّ تضيف الآية (وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم) إشارة إلى أنّه لا لزوم لانزعاج المرء إن لم يؤذن له بالدخول، فلعلّ صاحب المنزل في وضع غير مريح، أو أن منزله لم يهيأ لاستقبال الضيوف!

يؤكد القرآن هنا على عدم الضجر أو الاستياء إذا أعلن صاحب الدار اعتذاره عن استقباله في الوقت الحاضر، إذا قد يكون لديه عمل أهم. فإذا واجهه صاحب الدار بهذه الصراحة يجب عليه أن يكون على درجة من رحابة الصدر بحيث يتقبل ذلك. ولكن يلاحظ اليوم العكس، فلا صاحب الدار قادر على التصريح بحالته للقادم، ولا القادم لديه من رحابة الصدر بحيث يتقبل ذلك ولا يستاء منه. ولهذا السبب تحصل في مجتمعنا حاليا في أمثال هذه المواقف واحدة من الحالات الثلاثة التالية:

 

الحالة الأولى: أن يضطر صاحب الدار إلى أن يقول لأطفاله كذبا بأن يخبروا القادم انه غير موجود أي أنه يرتكب ذنبا من الكبائر. ويتصور البعض أنه قادر في هذا الموقف على التورية. في حين أن التورية لا تجوز إلاّ في المواقف التي تستوجب الكذب أي حيثما يترقب على عدم قولها مفسدة، كأن يأتي رجل شاهرا السلاح ويريد قتل شخص بغير حق، فيسأل: هل فلان موجود؟ فيقال له: لا، غير موجود هنا.

 

ويقال في أمثال هذه المواقف: من أجل أن لا تعتاد على الكذب يجب أن تضمر في قلبك شيئا آخر، فتقول غير موجود، وتضمر في قلبك إنه غير موجود “هنا”. لا أن يكذب المرء كما يحلو له تحت ذريعة التورية! يقول للأطفال: قولوا غير موجود واقصدوا أنني غير موجود في الغرفة الأمامية مثلا. فأنت ما دمت قادرا لى الصدق، لماذا تلجأ إلى أسلوب التورية؟ بإمكانك القول: أنني موجود ولكني غير قادر على استقبالك.

 

يقال: إن أحدهم جاء إلى داره ذات يوم ومعه ضيف، ولما دخل إلى الدار تشاجرت معه زوجته قائلة: لماذا جلبت معك ضيفا وليس لدينا شيئا في الدار نقدمه له، أنني لا أوافق بتاتا على دخوله الدار. فبقي الرجل حائرا ماذا يصنع مع ضيفه. فأرسل إليه أحد الأطفال ليخبره أن أباه غير موجود في الدار. فصاح الضيف، لقد جئنا أنا وإياه سوية. فرفع الرجل صوته من داخل الدار: قد يكون في الدار بابين وقد خرج هو من الباب الآخر !

في أغلب الأحيان تقع حالات شبيهة بهذه فحينما يأتي أحدهم ويفتح الباب ويقول: لا أدري إن كان صاحب الدار موجودا أم لا، لأذهب وأرى. هذا كذب مفضوح لأن الذي جاء من داخل الدار يعلم هل صاحبها موجود أم لا، ولكنه يريد أن يذهب ويرى هل يأمره بالصدق أم بالكذب.

 

ومع أن الجميع يعلمون حقيقة الأمر، أي الضيف يعلم، وصاحب الدار يعلم أيضا، إلا أن هذه القضية يتكرر وقوعها على الدوام إذن الحالة الأولى هي التي يقع فيها الكذب.

 

الحالة الثانية: فهي النفاق، كأن يقول صاحب الدار للضيف: تفضل، لقد شرفت وجلبت معك السرور والبهجة! إلاّ أنه في قلبه يلعنه ويقول: ما هذا البلاء الذي نزل علي في هذه الساعة، لدينا آلاف المشاغل، يا لهم من أناس غير مؤدبين؟! وبعد أن يذهب الضيف يقف أمام زوجته وأطفاله ويسب ويشتم. كيف ينشأ الأطفال في مثل هذه الحالة حينما يشاهدون أباهم يحترم الضيف ويستقبله نفاقا، ولا يتجرأ على مصارحته بحقيقة موقفه؟

الحالة الثالثة: يعتذر صاحب الدار عن استقبال القادم، أو يخرج إليه من يعتذر عن استقباله. وفي مثل هذه الحالة يكون موقف صاحب الدار سليما إلا أن الضيف يستاء من ذلك الموقف ويظل يتحدث به أمام الناس حيثما حل ورحل، ويقول لقد ذهبت إلى داره ولم يستقبلني. لا يقول أنني لم أذهب بإذن مسبق، أو انه كان معذورا حقا. ينبغي على مثل هذا القادم أن يحمل صاحب الدار على محمل خير وأنه كان معذورا حقا، وأنه قد واجهة بصراحة ولم يكذب عليه.

 

ولكن هناك حالة رابعة يرتضيها الإسلام وهي أن يعتذر صاحب الدار من القادم – فيما إذا كان معذورا عن استقباله – ويجب أن لا يستاء القادم عن مشاهدته لهذا الموقف. القرآن يأمر بهذه الحالة الرابعة وهي قوله: ﴿وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ (النور/28) ولكن هل ينطبق هذا الحكم على كل موضع يقيم فيه الناس، كالمحل، والدكان والفندق، ومحل العمل وما شابه ذلك، أم يختص بالدار السكنية؟

 

يقول القرآن: أنه يختص بالدار السكنية الخاصة ومحل العمل الخاص، ولا ينطبق على سائر الأماكن العامة. فلا داعي للاستئذان مثلا لدخول الدكان أو الفندق أو السوق

 

وبما أن بعض الناس قد يدفعهم حبّ الإطلاع والفضول حين رفضهم استقباله على استراق السمع، أو التجنس من ثقب الباب لكشف خفايا أهل المنزل وليطلع على أسرارهم، لهذا قالت الآية: (والله بما تعملون عليم).

ولهذا حدد الشرع عقابا لمن يتلصص على بيوت الناس

جاء في كتب الفقه والحديث. إذا تلصّص شخص على داخل منزل وشاهد امرأة فيه لم تتحجب، فلاهل الدار أوّلا نهيهُ عن هذا العمل، وإن امتنع رموه بالحجارة. وإن عاود، فبامكانهم الدفاع عن أعراضهم بآلة جارحة، فلو قُتل هذا الشخص في هذه الحالة فدمه هدر ولا ديّة له.

 

وطبيعي أنّه لابدّ من تتبع هذه الخطوات أوّلا بأول. أي: عليهم أوّلا إتباع السبيل اليسير لمنعه، ثمّ اتباع اُسلوب العنف.

 

 

وبما أن لكل حكم استثناءً، لرفع المشكلات والضرورات بشكل معقول عن طريقه، تقول آخر آية موضع البحث: (ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونة فيها متاع لكم).

ما معنى البيوت غير المسكونة؟؟

في معرض الإجابة على هذا السؤال لابدّ من الإشارة إلى اختلاف المفسّرين في ذلك، فقد قال البعض: يقصد بها المباني التي لا يسكنها شخص معين، وهي لعموم الناس، كالمنازل العامّة في الطرق البرية والفنادق والحمامات العامّة وأمثالها. وقدجاء هذا المعنى بصراحة في حديث للإمام الصادق(ع) ([3]6).

 

وفسّر البعض ذلك بالخرائب التي ليست لها جدران ولا أبواب، يدخلها من يشاء، غير أنّ هذا التّفسير يبدو بعيداً جداً عن الصواب، فلا أحد يضع متاعه في هذه المنازل.

 

وقال آخرون: إنّها إشارة إلى مخازن التجار وحوانيتهم، التي احتوت على متاع الناس أمانةً لديهم لغرض البيع، ويمكن لكلّ صاحب متاع الدخول إلى هذا المخزن ليأخذ متاعه، وهذا التّفسير أيضاً يبدو غير منسجم مع ما قصدته الآية.

 

كما يحتمل أنّها قصدت المنازل التي ليس فيها أحد، ويضع المرء متاعه فيها أمانةً بعد علمه برضا صاحبها ضمناً في حراستها ورفعها عند الحاجة.

المراد هو التفسير الأول وهو أقرب التفاسير

وتضيف في الختام (والله يعلم ما تبدون وما تكتمون). ولعل ذلك إشارة إلى استغلال البعض هذه الإستثناءات، فيتذرّع بأنّ المنزل غير مسكون فيدخله بهدف الكشف عن بعض الأسرار، أو الدخول إلى منازل مسكونة متذرعاً بعدم علمه بأنّها مسكونة، إلاّ أنّ الله يعلم بكلّ هذه الأعمال، ويعلم الذين يسيئون الإستفادة من هذا الإستثناء.

ظاهر السياق كون قوله: ﴿فيها متاع لكم﴾ صفة بعد صفة لقوله: ﴿بيوتا﴾ لا جملة مستأنفة معللة لقوله: ﴿ليس عليكم جناح﴾ ، والظاهر أن المتاع بمعنى الاستمتاع.

 

ففيه تجويز الدخول في بيوت معدة لأنواع الاستمتاع وهي غير مسكونة بالطبع كالخانات والحمامات والأرحية ونحوها فإن كونها موضوعة للاستمتاع إذن عام في دخولها.

وربما قيل: إن المراد بالمتاع المعنى الاسمي وهو الأثاث والأشياء الموضوعة للبيع والشرى كما في بيوت التجارة والحوانيت فإنها مأذونة في دخولها إذنا عاما ولا يخلو من بعد لقصور اللفظ.

ويمكن أن نستفيد من هذه النقطة وفي فهم مسألة  التصرف في ملك الغير بدون إذنه

يورد السيد السيستاني :لا يجوز التخلي في ملك غيره إلا بإذنه ولو بالفحوى. أي يحرم التخلي في ملك الغير الا اذا احرز رضاه بأخذ الاذن
فقال (الا) وهو استثناء من هذا الحكم ( لا يجوز )
ثم قال (ولو بالفحوى ) والمقصود من الفحوى هنا هو الاذن التقديري الاولى إذ أن إذن الغير قد يكون  :
1 / فعليا
2 / تقديريا
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ثم ان هذا التقديري :
أ / تقدير مساوٍ
ب / تقدير اولى ( ويسمى بالفحوى )
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
والمقصود منهما ، تارة يكون (زيد ) قد جوز (لعمر) ان يقرأ كتاب المنطق ( العائد لزيد) ، والآن (عمر) وقع بين يديه كتاب زيد ولكنه ليس ذلك المنطق بل كتاب الفقه مثلا ، فبالتقدير المساو هو لا يمانع من قرائته
وتارة يكون ( زيد ) قد جوز (لعمر) ان يحرق كل هذه الكتب اوان يتصرف بها حيث يرى هو ، والآن ( عمر ) يريد ان يقرأ هذه الكتب ، فيقول هو جوز لي حرق هذه الكتب فمن باب اولى انه لا يمانع من قرائتها .

أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام ) كانوا يتبرون أرواحهم ملكا للحسين عليه السلام لذا كانوا يستأذنون للخروج للقتال راجين منه الإذن وكم كان محزنا أن يردهم لأي سبب كما كان شأن القاسم بن الحسن ..

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة