حول الإنسان/ البطن (48)

img

قال تعالى:

بِسْمِ اللّـهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿وَاللَّـهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّـهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾([1]).

تشير الأية الكريمة الى أن المخلوقات جميعاً أصلها من شيء واحد وهو الماء ولا يسعها أن تواصل حياتها إلا به ولكن أنواعها مختلفة ﴿فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ﴾ كالحية وأمثالها من الزواحف ﴿وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ﴾ كالانسان والطير وغيرهما ﴿وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ﴾ كالأنعام وأمثالها من الحيوان ﴿يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء﴾ حتى من غير هذه الأنواع إذ ليس لقدرته حد فهو تعالى كما قال عن نفسه ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.

والدابة في اللغة هو كل ما يدب على الأرض والبطن هو خلاف الظهر وهو الوعاء المحتوي على الأجهزة والمعدات المهيئة لاستقبال الطعام والشراب والعاملة فيهما والمصنعة لهما في الإنسان وجميع أنواع الحيوان والمخلوقات المادية وقد جهل أو تجاهل بعضهم وأنكر أن يكون النبي أمي نبي ممن يأكل الطعام أو يمشي في الأسواق كما هو مذكور في الأية ﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ([2]). فقال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ([3]). بل هم يعني الأنبياء كغيرهم من البشر يأكلون الطعام ويشربون الماء وغيره من السوائل وعندما يصل الطعام والشراب إلى أفواههم يبدأ الجهاز الهضمي عمله فيه، فتشتغل على طحنه الأضراس الطواحن وهي الرحيّ، والقواطع وهي الأسنان، والكواسر وهي الأنياب، وجعل اللحي الأسفل من الفم متحرّكة حركة دورية؛ فيتقدّم ويتأخّر ويدور، ولولا ذلك لما تيسّر طحن الطعام، ولما حصل إلّا ضرب الفكين أحدهما على الآخر مثل تصفيق اليدين.

وبما أن الطعام في الفم يحتاج إلى التقليب والتصريف من جانب إلى جانب فقد خلق الله سبحانه وتعالى اللسان يتجوّل في جوانب الفم، ويرد الطعام إلى الأسنان، مضافاً إلى ما فيه من حاسّة الذوق الّتي يعرف بها ما يصلح من الطعام وما لا يصلح، ومضافاً إلى ما فيه من رقّة الحاسة التي يعرف بها ما في الطعام من عظام أو غير ذلك.

ثم لمّا كان بعض الطعام يابساً لا يمكن عجنه وطحنه إلّا بعد أن تكون معه رطوبة، خلق الله سبحانه تحت اللسان عيناً يفيض منها اللعاب بقدر الحاجة الكافية؛ لطحن ذلك الطعام وعجنه وانزلاقه إلى الداخل. ثم هيّأ له المريء والحنجرة، وجعل على رأسها أطباقاً؛ طبقات تنفتح لأخذ الطعام ثم تنطبق وتنضغط على الطعام حتى ينزل بضغطها إلى المعدة، ثم بعد ذلك تنغلق عليه أبواب المعدة إلى أن تنضجه بالحرارة التي تحيط بها من الأجهزة والأعضاء.

وبعد أن تطبخه وتنضجه وتذيبه ويكون مايعاً، ينصبّ من المعدة إلى الكبد بواسطة العروق الدقيقة، وحينئذٍ تمزجه الكبد بالكريات الحمر، فتصبغه بلونها، فيكون دماً، ثم تجذب منه الفضلة الصفراوية وتخرجها إلى الأمعاء، وهي الغائط.

وتجذب الكليتان منه الفضلة المائيّة، وتعطي الدم منها ما يناسبه، وترسل الزائد إلى المثانة وهو البول، وحينئذٍ يبقى الدم فقط، ولكنّه دم خام يحتاج إلى تصفية، فينزل إلى الاُذين الأيمن من القلب، ثم ينزل من الاُذين الأيمن إلى البطين الأيمن الذي تحته فيضخّه القلب من البطين الأيمن إلى الرئتين، فتصفيانه من المواد الخامة وتخرجانها إلى الخارج بواسطة التنفس. وربما خرج إلى الخارج في الأيام الباردة بصورة الدخان([4])، وهو المعبّر عنه بثاني أوكسيد الكربون، ثم تمزجه الرئتان بعد ذلك بالأوكسجين الطلق الذي تجذبانه بواسطة التنفس، ثم تردّانه إلى الاُذين الأيسر من القلب، ثم ينزل منه إلى البطين الأيسر الذي تحته.

يتبع…

الهوامش:

([1]) الزمر: 45.

([2]) الفرقان: 7.

([3]) الأنبياء: 8.

([4]) الذي هو عبارة عن بخار الماء المتكاثف بفعل البرد.

الكاتب الشيخ عبد الحميد المرهون

الشيخ عبد الحميد المرهون

مواضيع متعلقة