حول الإنسان/ الرِّجلان (46)
ثم قال تعالى:
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ﴾([1]).
وقال تعالى:
﴿أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا﴾([2]).
وأرجُل جمع رِجل، وهي هذا العضو الذي يقف عليه الإنسان والحيوان، ويمشيان به من مكانٍ إلى مكان، ويركلان به، قال تعالى مخاطباً نبيه أيوب×: ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ﴾ أي اضرب الأرض برجلك، فلمّا ضرب الأرض برجلهِ نبعت له عينُ ماءٍ، فقيل له: ﴿هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾([3])، فاغتسل وشرب من ذلك الماء، فزال عنه كلّ ما يجد من المرض، حتى إن زوجته لما رأته بعد ذلك أنكرته وجعلت تسأله عنه.
ويختلف لون الأرجل وعددها في المخلوقين إلى ما شاء الله، قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾([4]). ويسمى الماشي على الرجل ماشياً وراجلاً، ويجمع على رجال، قال تعالى: ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾([5])، فمعنى ﴿رِجَالًا﴾ أي مشاة على أرجلهم. وقد حج الكثير من أيمّة أهل البيت^ وغيرهم من الصالحين مشاة. ويجمع الراجل أيضاً على الراجلين، قال بعض الشعراء:
أتينا راجلين فلا حمار | ولا فرس يقاد ولابعير |
وقد جاء في (رسالة الحقوق للإمام زين العابدين×) وأما حق رجليك فان لا تمشي بها إلى ما لا يحل لك ولاتجعلهما مطيتك في الطريق المستخفة بأهلها فيها.
وتتكوّن الرجل من عدّة أوصال: الطرف الأعلى منها هو الورك ونتأته اللحميّة التي في أعلاه تسمى الإلية، وتحتها الفخذ، وتحته الرُّكبة، وتحتها الساق. قال تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾([6]).
روى بعض المفسرين في معنى هذه الآية الكريمة عن ابن مسعود& أنه قال: يكشف الرحمن جلّ وعلا عن ساقه يوم القيامة فيخرّ المؤمنون سجّداً، وتكون ظهور غيرهم طبقاً طبقاً كأن فيها السفافيد([7]).
وقال بعض المفسّرين من الشيعة: إن الآية الكريمة كناية عن شدّة هول يوم القيامة، مثل قوله تعالى: ﴿كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾([8])، فإنها كناية عن شدّة هول ساعة الاحتضار([9]). ولو صحّ حديث ابن مسعود فإن ساقه تعالى كناية عن شيء من عظمته جلّ وعلا ينكشف لعباده يوم القيامة، فيخرّ المؤمنون سجّداً لعظمته جلّ وعلا، وتتصلّب ظهور الكفّار والمنافقين لما سبق من سوء أعمالهم ونياتهم، فلا يستطيعون السجود.
وتدلّ آية الاحتضار السابقة، وهي قوله تعالى: ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾ على أن الساق مؤنّث. ويجمع الساق على (سوق)، مثل (دار ودور)، قال تعالى في قصّة نبيّه سليمان بن داود’ أنه قال: ﴿رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ﴾([10]).
وفي القسم الأسفل من الساق محلّ القيد للرَّجل، ومحلّ الخلخال للمرأة؛ ولذا قال تعالى: ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ﴾([11]). ومعنى الآية أن على النساء أن يبتعدن عن كلّ ما يتنافى مع العفّة حتى يبلغ الحال إلى ألّا تتعمّد إيصال صوت خلخالها إلى الاجنبي ولو كان الخلخال مستوراً تحت ثيابها، فكيف بها إذا أبدت ساقها إلى الأجنبي؟
وعلى فرض أن المرأة لم تلتزم بما يجب عليها من الستر، فعلى المؤمنين أن يغضّوا النظر عنها، وأن يتّخذوا من مواقف الأنبياء^ درساً نافعاً لهم، فقد روي عن نبي الله سليمان بن داود’ أنه لما جاءت إليه بلقيس ملكة سبأ، أرادت أن تدخل الصرح، ﴿فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا﴾ فأعرض سليمان× بوجهه لئلّا ينظر إلى ساقها، وصاح بها ﴿إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ﴾([12]).
وتحت الساق الكعبان وهما الجوزتان اللتان في أصل الساق، وقيل: إن الكعبين هما العظمان الناتئان في ظهر القدم.
وتحت الجوزتين القدم وهو الطرف الأسفل من الرجل، وعليه يطاُ الإنسان، ويجمع على أقدام، قال تعالى: ﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ﴾([13]). ومعنى الآية أن المجرم تشدّ ناصيته بقدمه يوم القيامة ويسحب منها إلى النار، أو أن الملك يرفع المجرم من قدمه وناصيته فيلقيه في النار. قالوا: وإنما حصل ذلك لأن بين القدم والناصية علاقة عملية، وهي أن تحت الناصية منطقة الإرادة من الدماغ فإذا أرادت المعصية مشت القدمان بصاحبهما إلى مكان تلك المعصية التي أرادتها منطقة الإرادة، وحينئذٍ يحقّق ما أراد من المعصية. وبذلك صارت بينهما العلاقة العملية التي كان من نتائجها أن تشدّ ناصية المجرم بقدمه ويسحب إلى النار.