شرح دعاء كميل (52)
﴿وَحَبَسَني عَن نَفْعي بُعْدَ آمالِي، وَخَدَعَتْني الدُّنيَا بغُرورِهَا﴾
حبسني: أي وقفني ومنعني.
الآمال: جمع «الأمل»، وهو الرجاء، ضدّ اليأس.
وفي الحديث: «طول الأمل ينسى الآخرة»([1]).
يريد أنّ طول آمالي في أسباب الدّنيا وحبّها منعني عن منافعي التي هي ما تيسّر بها لذائذ الآخرة، من لقائه تعالى والوصول إلى الجنّات الثلاث، من جنّة الذات، وجنّة الصفات، وجنّة الأفعال، التي وعد المتّقون بها، كما قال الله تعالىك ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ من عسل مصفي و انهار مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ﴾([2]).
قال المولوي& في المثنوي:
چون ركوعي يا سجودي مرد كشت | ||
شد سجود او در آن عالم بهشت | ||
چون ز دستت رفت ايثار زكاة | ||
گشت اين دست آن طرف نخل ونبات | ||
چونكه پرّيد از دهانت حمد حق | ||
مرغ جنّت ساختش ربّ الفلق | ||
آب صبرت جوى آب خلد شد | ||
جوى شير خلد مهر تست و ودّ | ||
آن حلاوتهات جوي انگبين | ||
مستي وذوق تو جوى خمر بين([3]) | ||
فهذه الأبيات والآيات والأخبار الكثيرة في هذا الباب، والدّعوات المأثورة عن اهل البيت^ تدلّ على تجسّم الأعمال الذي أطبق عليه الإماميّة والحكماء والمحقّقون من أهل الكلام، ولسنا الآن في ذلك المقام.
الخدعة: المكر والاحتيال، ويجيء بمعنى الفَساد، كما هو المتعارف عند العرب.
وفي الحديث: سئل رسول الله‘: فيما النّجاة غداً؟ قال‘: «النّجاة أن لا تخادعوا الله فيخدعكم؛ فإنه من يخادع الله يخدعه». فقيل له: فكيف يخادع الله؟ قال: «يعمل ما أمر به الله ثمّ يريد به غيره، فاتّقوا الرياء؛ فإنّه شرك بالله، إنّ المرائي يدعى يوم القيامة بأربعة أسماء: يا كافر يا فاجر يا غادر يا خاسر، حبط عملك وبطل أجرك، ولا خلاق لك اليوم، فالتمس أجرك ممّن كنت تعمل له»([5]).
وفيه أيضاً: «هيهات، لا يخدع الله عن جنّته»([6]).
الغرور: تسويل الباطل وتزيينه، وإسناد الخداع إلى الدنيا ليس بالحقيقة، بل على سبيل المجاز في الإسناد، كما يقول الجاهل: أنبت الربيع البقل، إنّما الدنيا وأسبابها أسباب الخداع وآلاته، وشبكات الفخ وأدواته وحبائله، فإنّ فاعل التّسويل والخدع إمّا النفس، كما قال الله تعالى: ﴿بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ﴾([7])، وإمّا الشيطان وجنوده.
كما أنّ النفس المسوّلة من جند الشيطان إن سوّلت الدّنيا وأسبابها، ومن جند العقل إن سوّلت العقبى وطاعاتها وما يحصّل به الآخرة.
فلابدّ أولاً من تعريف النفس، وتعريف أقسامها ومراتبها، ثمّ تعريف أفعالها وأحكامها، كما قال السّائل:
يتبع…
الهوامش:
([1]) الكافي 1: 44 / 1. الخصال: 51 / 63. بحار الأنوار 2: 106 / 2.
([5]) الأمالي (للصدوق): 677 / 921. روضة الواعظين: 361. بحار الأنوار 69: 295 / 19.
([6]) نهج البلاغة: 187. بحار الأنوار 34: 89. فيهما عن أميرالمؤمنين ×.