شرح دعاء كميل (48)
﴿وَسَكَنْتُ إلى قَديمِ ذِكْرِكَ لي وَمَنِّكَ عَلَيَّ﴾
المنّ: العطاء.
أراد السائل: أنّني وقفت على قديم ذكرك الذي ذكرتك به في سالف الزمان، يعني أوائل عُمري وعنفوان شبابي، الذي هو زمان الغروُر والغفلة في الأغلب، ووقفت على العطيّة التي أعطيتني بها في الأزمنة السّابقة.
أراد بها: التوفيق لتحصيل معارفه تعالى، وما اجتهدت حقّ الاجتهاد في معرفة صفاتك وأفعالك وحقيقة أوامرك ونواهيك، وما ساعدني التوفيق إلى الوصول إلى ذروة شهود جمالك وجلالك، والوفود على فناء جنابك، والقعود في عتبة بابك.
ومقصوده: أنّه ما حصل لي الترقّي إلى المقامات التي يبلغها أهل الحقيقة بعد البرهان، بموهبة التخلّق والعيان والفناء، الذي هو قرّة عين أهل السّلوك والعرفان، بحول الله الملك المنّان.
قال رسول الله|: «من ساوى يوماه فهو مغبون»([1]). وفي رواية: «من اعتدل يوماه فهو مغبون»([2]).
وفي حديث آخر قال|: «سيرُوا فقد سبق المفردّون»([3]).
والمقصُود: الحثّ والإغراء على الفوريّة، كما قال الله تعالى: ﴿فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ﴾([4]) ﴿وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ﴾([5])؛ فإنّ الأنفاس بيد قدرة الله تعالى، فلعلّ الإنسان قبض في الآن وحرم من أداء التكليف، ففاتته الغبطة العظمى، وغبن الغبن الأفحش.
ولذا قال المولوي:
صوفى ابن الوقت باشد ا ي رفيق هين مگو فردا، كه فرداها گذشت پند من بشنو كه تن بند قوي است بخل تن بگذار و پيش آور سخا ترك لذتّها وشهوتها سخا است اين سخا شاخي است از سرو بهشت |
نيست فردا گفتن از شرط طريق تا بكلّي نگذرد ايّام كشت كهنه بيرون كن گرت ميل نُوي است لب ببند و كف پر زر برگُشا هركه در شهوت فرو شد برنخواست واى آن كز كف چنين شاخي بهشت([6]) |
والسّالك إلى الله تعالى كان ابن الوقت لا يضيع آناً، والوقت أمضى من سيف صارم و أقضى من نار تضطرم.
فآن مـــــضى أمسٌ وآنُ يأتي غد وآنُ بينهما يــــوم حـــــاضر([7])
ما فات مضى وما سيأتيك فأيـــن قم فاغتنم الفرصة بين العدمين
والمراد باليوم في الحديث يحتمل أن يكون الآن، كما قلنا، ولعلّه هو الأنسب.
ويحتمل أن يكون اليوم المعروف الذي هو عبارة عن قطع الشمس بحركة الأطلس نصف الدورة.
والمراد بالآن هو الآن العرفي، لا الآن الحقيقي؛ لأنّه لا تحقّق له، فإنّ الزمان عابره وغابره متّصل واحد لا مفصل فيه.
وبالجملة: يقول السّائل: أيام عمري وأوقات شبابي معتدلة متساوية، فقد مضت جميعُها بالتّعطيل والغفلات، وسكنت إلى قديم ذكري وحمدي القولي لله واهب العطيّات والمسألات، ولم أتّحظ إلى التخلّق والتحقّق الذي هو غاية القربات ونهاية الكمالات.
يتبع…
الهوامش:
([1]) الأمالي (للصدوق): 766 / 1030. بحار الأنوار 68: 173 / 5. وفيهما: «استوى» وعن الصادق ×.
([2]) من لا يحضره الفقيه 4: 381 / 5833. بحار الأنوار 68: 181 / 34. عن أميرالمؤمنين ×.
([3]) مسند أحمد 2: 411. صحيح مسلم 8: 63.
([8]) منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة 8: 67. المثنوي المعنوي (معرب الدسوقي) ج 1: 384، حيث نسب إلى أمير المؤمنين×.