شرح دعاء كميل (47)
﴿وَتَجرّأتُ بِجَهْلي﴾
وعدم علمي بعواقب الأمور.
ألام على لوٍّ وإن كنت عالماً |
بأذناب لوٍّ لم تفتني أوائله([1]) |
التجرّي: من الجرأة، وهي عبارة عن سرعة الوقوع في الأمر من غير تدبّر ورويّة. والباء للسببية، أي تجرأت وأسرعت إلى مشتهيات نفسي بسبب جهلي وعدم عرفاني بعواقبها، كما قال الشّاعر:
ولقد نهزت مع الغواة بدلوهم وبلغتُ ما بلغ امرءٌ بشبابه |
وأسمت سرح اللحظ حيث أساموا فإذا عصارة كلّ ذاك أثام([2]) |
[بيان الجهل البسيط و المركّب]
ثم إنّ الجهل بسيط ومركّب:
الأول: عبارة عن عدم العلم.
والثاني: عبارة عن عدم العلم بعدم العلم.
على قياس علمي البسيطي والتركيبي يقال: فلان جاهل بالجهل البسيطي، أي لا يعلم شيئاً، وبالجهل التركيبي، أي لا يعلم أنه لا يعلم.
ثم إنّ الجهل بقسميه كان من الخبائث المعنوية، بل اُمُّ الخبائث وأصلها، وإن شئت أن تعرف العقل والجهل وجنودهما فعليك بالنظر في كتاب «أصول الكافي».
وقد عدّه علماء علم تهذيب الأخلاق من النجاسات العشرة التي ثمانية منها هي: التهوّر والجبن، اللذان هما طرفا الشجاعة من الإفراط والتفريط.
والشرة والخمود اللذان هما طرفا العفّة من إفراطها وتفريطها.
والتقتير والتبذير اللذان هما طرفا السّخاوة إفراطها وتفريطها.
والجربزة والبلاهة اللتان هما طرفا الحكمة إفراطها وتفريطها.
وتلك الأربعة ـ أعني الشجاعة والسخاوة والحكمة والعفة ـ أركان العدالة التي هي الصراط المستقيم، الذي هو أحدّ من السيف وأدقّ من الشعر. والجميع مأمور بالتجاوز عنه.
اي دل از چشمه حكمت بكف آور جامي
بو كه از لوح دلت نقش جهالت برود([3])
يتبع…
الهوامش:
([1]) لم يسم قائله. الكتاب 3: 262. خزانة الأدب 7: 299.
([2]) القائل هو أبو نواس. الإيضاح (للخطيب القزويني): 43.
([3]) ديوان حافظ الشيرازي: 344. وفيه: «حافظ» بدلا من «اى دل».