شرح دعاء الصباح 60
﴿وَمَسائي جُنَّةً مِن كَيدِ العِدا، وَوِقايةً مِن مُرْدِياتِ الهوى﴾
تعقيب «مسائي» لـ«صباحي» من صنعة «مراعاة النظير». والـ«جُنّة»: التُّرس. والـ«كيد»: المكر. و«العِدا»: جمع العدوّ. والـ«وقاية»: الصيانة، وقد يطلق على ما به يصان، وهو المراد هاهنا. و«المُردي»: المُهِلك، وفيه إشارة إلى حكم ظُلَم اللّيالي؛ إذ بإتيان اللّيل يحصل كثيراً ما المناصُ والخلاصُ من الأعداء، ويحصل الوقاية من الأهواء المُهِلكات؛ لارتفاع معظم الشّواغل والموانع، وتأتّي الخلوة مع الحبيب والنجوى معه بقلب كئيب.
ومُهلكات الهوى كثيرة مشـروحة في علم تهذيب الأخلاق، وأُمّهاتها: الأطراف السّتة للرؤساء الثلاثة التي هي «العفّة» و«الشّجاعة» و«الحكمة»، ومجموعها «العدالة». وتلك الأطراف: «الشـره» و«الخمود»، و«الجبن» و«التهور»، و«الجربزة» و«البلاهة». وفي الحديث: «ثلاثٌ منجيات، وثلاثٌ مُهلكات: فالمنجيات: العدلُ في الرِّضا والغضب، والقصدُ في الغنى والفقر، وخشية الله في السرّ والعلانية؛ والملهكات: شحٌّ مطاع، وهوىً متبع، وإعجابُ المرء بنفسه»([1]). ومقابلة «الشحّ» و«الإعجاب» «للهوى» لشدّة الاعتناء بهما، وإلّا فهما من جُنود الهوى. والهوى هو المسخِّر للنفوس، وهو الإله المتّخذ، وأبغض إله عُبِد في الأرض.
وإذا أوّلنا الصّباح، فلنؤوِّل المساء بـ:غروب أنوار الوجود تحت سطوع نور الأحد، آخر يوم الجمع حين ظهور جمع الجمع، واجتنان الجنان تحت جُنَّة «جَنَّة الصفات»، وتحصينه بحصن قاهرية نور الذات عن كيد ظلمة الكثرات والأهواء المرديات؛ فإنّه إذا ظهرت الحقيقة بطلت رسوم الخليفة.
ويناسب التأويلَيْن([2]) لفظ «الملك» فيما بعد.
يتبع…
الهوامش:
([1]) الحكايات (الشيخ المفيد): 98، مشكاة الأنوار: 242، معدن الجواهر (الكراجكي): 32، باختلاف عنها في ترتيب ألفاظ الحديث الشريف.
([2]) لأنّ المُلك بحسب التأويل مُلُك الوجود المنبسط. وأيضاً، الملك هو السلطنة، وما ذكر سلطنة حقيقيّة بحسب الباطن. منه.