شرح دعاء كميل (45)

img

﴿سُبحَانَكَ وَبِحَمدِكَ﴾

سبحان: مصدر غير متصرّف، لازم الإضافة، ومعناه: اُسبّحك واُنزّهك تسبيحاً وتنزيهاً، والحال أنّ ذلك التسّبيح مقترن بحمدك.

والأولى ـ كما قال بعض المحقّقين([1]) ـ أن يكون الباء في «بحمدك» للسببّية، ويكون الحمد مصدراً مضافاً إلى الفاعل، وكان المفعول محذوفاً أو بالعكس. والمعنى حينئذٍ: والحال أنّ ذلك التسبيح بسبب حمدك نفسك، يعني: تسبيحي بحولك وقوّتك، ومقهور تحت تسبيحك لنفسك، وحمدي مبهور تحت حمدك إيّاك، كما قال سيّد الكائنات|: «لا أحصى ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك»([2]).

كيف وحمدنا وتسبيحنا وثناؤنا لك عارية ووديعة لدينا؟! ولابدّ يوماً أن تردّ الودائع.

والتسبيح يرجع إلى الحمد، والحمد يرجع إلى التسبيح، كقوله تعالى: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ([3])، يعني: يسبّح بتسبيحه تعالى لنفسه.

ثم إنّ السائل نزّهه تعالى بعد التّشبيه، كأنّه أشار إلى طريقة الموحّدين، وهي الجمع بين صفتي التشبيه والتنزيه، كما في قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ([4]).

وفي هذا الباب أحاديث كثيرة جمعُوا^ فيها بين صفتي التشبيه والتنزيه:

منها: ما روي عن الإمام الهمام موسى بن جعفر’ أنه قال: «إن الله تبارك وتعالى لم يزل بلا زمان ولا مكان، وهو الآن كما كان، لا يخلو منه مكان، ولا يشغل به مكان، ولا يحلّ في مكان، ﴿مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا([5])، ليس بينه وبين خلقه حجاب غير خلقه، احتجب بغير حجاب محجوب، واستتر بغير ستر مستور، لا إله إلّا هو الكبير المتعال»([6]).

ومنها: ما قال أمير المؤمنين× في بعض خطبه: «مع كل شيء لا بمقارنة، وغير كلّ شيء لا بمزايلة»([7]).

وقال في البعض الآخر: «لا تقدّره الأوهام بالحدوُد والحركات، ولا بالجوارح والأدوات، لا يقال له: متى، ولا يضرب له أمد بحتّى، لم يقرب من الأشياء بالتصاق، ولم يبعد عنها بافتراق، تعالى عمّا ينتحله المحدودون من صفات الأقدار ونها يات الأقطار وتأثّل المساكن وتمكّن الأماكن، فالحدّ لخلقه مضروب، وإلى غيره منسوب»([8]).

إلى غير ذلك مما جمعوا^ التشبيه والتنزيه في كلماتهم من الخطب الجليلة والأدعية الرفيعة الجميلة، وليس لهذا المختصر وسع أكثر ممّا ذكر.

ومن كلمات بعض العارفين، قال: «عرفت الله بجمعه بين الأضداد»([9])، كالجمع بين الخفاء والظهور، كما في الدعاء: «يَا مَنْ خَفِي مِنْ فَرْطِ ظُهُورِهِ وَاستَتَرَ بِشُعَاعِ نُورِهِ»(.

والجمع بين القرب والبُعد، كما فيه أيضاً: «يَا مَنْ بَعُدَ فَلَا يُرَى، وَقَرُبَ فَشَهِدَ النَّجْوَى»([11])، وبين العلوّ والدنّو: «يَا مَنْ عَلَا فِي دُنُوِّهِ، يَا مَنْ دَنَى فِي عُلُوِّهِ»([12]). والجمع بين الدّخول في الأشياء والخروج عنها، كما في قوله×: «داخل في الأشياء لا بالممازجة، وخارج عن الأشياء لا بالمزايلة»([13])، وغير ذلك.

يتبع…

 الهوامش:

([1]) شرح الأسماء الحسنى 2: 95.

([2]) عوالي اللئالي 4: 114. بحار الأنوار 82: 169 / 7.

([3]) الإسراء: 44.

([4]) الشورى: 11.

([5]) المجادلة: 7.

([6]) التوحيد: 178 / 12. بحار الأنوار 3: 327 / 27.

([7]) نهج البلاغة: 40. بحار الأنوار 4: 247 / 5.

([8]) نهج البلاغة: 232. بحار الأنوار 4: 306 / 35.

([9]) القائل هو أبوسعيد الخراز (ت 277 هـ). حكي عنه في فصوص الحكم  1: 77.

([10]) انظر: مهج الدعوات ومنهج العبادات (للسيد بن طاووس)، وفيه «يا من احتجب بشعاع نوره». بحار الأنوار 55: 13، وفيه: «قيل: يا خفيا من فرط الظهور». شرح الأسماء الحسنى 2: 96.

([11]) انظر: المصباح المتهجّد: 579. تهذيب الأحكام 3: 109.

([12]) انظر: المصباح المتهجّد: 385.  المصباح (للكفعمي): 258.

([13]) لم نقف عليه بعينه، ولكن انظر: نهج البلاغة: 40، خطبة 1. المحاسن 1: 240 / 217. الكافي 1: 86 / 2.

الكاتب المولى عبد الأعلى السبزواري

المولى عبد الأعلى السبزواري

مواضيع متعلقة