منازل الآخرة
تلخيص لكتاب منازل الآخرة والمطالب الفاخرة
حول الموت والحياة بعد الموت للشيخ عباس القمي رحمه الله
الحلقة الخامسة
المنزل الأول في هذا السفر
الموت
ولهذا المنزل عقبات كؤود ومواقف صعبة، وقد أشرنا في الأعداد السابقة إلى العقبتين الأولى والثانية، وهنا سنشير إلى العقبة الثالثة منها:
العقبة الثالثة: مساءلة منكر ونكير في القبر
روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال:«من أنكر أشياء فليس من شيعتنا: المعراج، المساءلة في القبر، والشفاعة». وروى أنّه يجيئه الملكان بهيئة مهولة أصواتهما كالرعد القاصف، وأبصارهما كالبرق الخاطف، فيسألانه: من ربك؟ ومن نبيّك، ودينك؟ ويسألانه أيضاً عن وليه وإمامه، وفي ذلك الحال يصعب على الميت أن يجيب، وإنّه يحتاج إلى الإعانة على ذلك، فلا جرم أنهم قد ذكروا مقامين لتلقين الميت:
أولهما: عندما يضعونه في القبر.
والأفضل أن يمسك ويحرك المنكب الأيمن باليد اليميني، والمنكب الأيسر باليد اليسرى.
والمقام الآخر: بعد دفنه.
ومن السنّة أن يجلس وليّ الميت ، يعني أقرب أقربائه ـ عند رأس الميت بعد انصراف الناس عن قبره، ويلقنه بصوت رفيع. ويحسن أن يضع يديه على القبر ويقرب فمه من القبر. ولا بأس أن يستيب شخصاً آخر لذلك، وورد: (فإذا قال ذلك قال منكر لنكير انصرف بنا عن هذا فقد لقن بها حجته).
روي في المحاسن بسند صحيح عن أحدهما عليهما السلام ـ يعني الإمام الصادق أو الإمام الباقر ـ قال: « إذا مات العبد المؤمن دخل معه في قبره ستة صور، فيهنّ صورة أحسنهنّ وجها، وأبهاهنّ هيئة، وأطيبهنّ ريحاً، وأنظفهنّ صورة. قال: فتقف صورة عن يمينه، وأخرى عن يساره، وأخرى بين يديه، وأخرى خلفه، وأخرى عند رجله. وتقف التي هي أحسنهنّ فوق رأسه. فإنّ أوتي عن يمينه منعته التي عن يمينه، ثمّ كذلك إلى أن يؤتى من الجهات الست: قال: فتقول أحسنهنّ صورة: ومن أنتم جزاكم الله عنّي خيراً؟
فتقول التي عمن يمين العبد: أنا الصلاة. وتقول التي عن يساره: أنا الزكاة وتقول التي بين يديه: أنا الصيام. وتقول التي خلفه: أنا الحجّ والعمرة. وتقول التي عند رجليه: أنا برّ من وصلت من إخوانك. ثمّ يقلن: من أنت؟ فأنت أحسننا وجها وأطيبنا ريحاً، وأبهاناً، هيئة.
فتقول أنا الولاية لآل محمّد صلوات الله عليهم أجمعين».
ومن الأمور النافعة لهذه العقبة
- صيام تسعة أيام من شعبان.
فقد ورد «ومن صام تسعة أيام من شعبان عطف عليه منكر ونكير عندما يسألانه».
- إحياء ليلة الثالث والعشرين من رمضان.
فقد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام في إحياء ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان وصلاة مائة ركعة فيها فضل كثير فمن جملته: « ودفع عنه هول منكر ونكير وخرج من قبره ونوره يتلألأ لأهل الجمع».
- الدفن في النجف الأشرف
من خواص تربة النجف الطاهرة أنها تسقط حساب منكر ونكير عمّن يدفن فيها.
- الخضاب
فقد روي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله في الخضاب أربعة عشر خصلة، وعدّ منها: «ويستحي منه منكر ونكير».
حكاية
نقل عن كتاب الحبل المتين أن المير معين الدين أشرف، من صلحاء خدام الروضة الرضوية قال: رأيت في المنام في دار الحفاظ ـ أي في بيت الحرس ـ أني خرجت من الروضة لتجديد الوضوء فلمّا أتيت عند صفّة مير علي شير، رأيت جماعة كثيرة دخلوا في الصحن المقدّس يقدمهم نوراني صبيح الوجه، عظيم الشأن وبيد جماعة من خلفه المعاول.
فلمّا توسطوا الصحن قال لهم: انبشوا هذا القبر. واخرجوا هذا الخبيث، وأشار إلى قبر خاص. فلما شرعوا في النبش سألت أحد الأشخاص: من هذا الأمير؟.
فقال: أمير المؤمنين عليه السلام، فبينما نحن كذلك إذ خرج الإمام الثامن عليه السلام من الروضة، وأتى إليه عليه السلام، فسلّم عليه، فردّ عليه.
فقال: يا جداه أسألك أن تعفو عنه، ونهبني تقصيره.
فقال عليه السلام: تعلم أن هذا الفاسق الفاجر كان يشرب الخمر.
فقال: نعم لكنه أوصى عند وفاته أن يدفن في جواري، فنرجو منك العفو عنه.
فقال: وهبتك جرائمه. ثمّ مضى عليه السلام، فانتبهت خائفاً، وأيقظت بعض الخدام، وأتيت معه إلى الموضع المذكور، فرأيت قبراً جديداً قد طرح منه بعض ترابه. فسألت عن صاحبه، فقال: لرجل من الأتراك دفن فيه بالأمس.