حول الإنسان/ اليد (41)

img

ثم قال تعالى:

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ([1]).

أمر الله سبحانه بغسل هذه الأعضاء، ومسح تلك التي يأتي الكلام عليها إن شاء الله؛ تطهيراً لها ممّا لعلّه يعرض لها من ذنوب الأعمال التي تقوم بها؛ لأن أكثر أعمال الإنسان إنما تحصل بها وتقوم عليها، ولا سيما اليدين؛ ولذلك ذكرهما القرآن في كثير من أعمال الإنسان ـ كما ذكرنا في (رائق الضمير) مجلس (اليدان)([2]) ـ فقد ذكرهما في العطاء والمنع، فقال تعالى: ﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا([3]). وذكرهما في جريمة السرقة، فقال: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ([4]).

وذكرهما في جريمة القتل، فقال: ﴿لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ([5]).

وذكرهما في جريمة الكتاب ([6]) فقال: ﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ([7]).

وقال تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ([8]).

وبالجملة، فإن لليد أعمالاً كثيرة سلبيّة وإيجابيّة ولذلك قال الإمام زين العابدين× «وأما حق يديك فأن لا تبسطهما إلى ما لا يحل لك فتنال بما تبسطهما اليه من الله العقوبة في الآجل ومن الناس اللائمة في العاجل ولا تقبضهما عما فرض الله عليهما» ومن اعمال اليد ما يكون قابلاً للأمرين كالبيعة؛ فربما كانت بيعة هدى، وربما كانت بيعة ضلال؛ ولذا ذكر الله سبحانه الأيدي في البيعة فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ([9]).

قالوا: وإنما ذكر الله جلّ وعلا الأيدي في هذه الآية (آية بيعة الحديبية)؛ لأن المبايع يضع يده في يد المبايع له أو عليها، ويبايعه. وقد جاء في بيعة الإمام الرضا× بولاية العهد للمأمون أنه لما جاء الناس لبيعته×، رفع يده فتلقّى بظهرها وجهه وبطنها وجوه الناس، فقال المأمون: ابسط يدك للبيعة.

فقال×: «إن رسول الله| هكذا كان يبايع الناس». فبايعه الناس ويده فوق أيديهم([10]).

وروى ابن شهر آشوب& في مناقبه أن المأمون جعل يأخذ البيعة على الناس لنفسه بالخلافة وللرضا× بولاية العهد وللفضل بن سهل بالوزارة، فجعل الناس يبايعونهم ويصفقون بأيمانهم على يمينه من أعلى الإبهام إلى أعلى الخنصر، حتى بايع في آخر الناس فتى من ولد الأنصار، فصفق بيمينه من أعلى الخنصر إلى أعلى الإبهام، فقال الإمام الرضا×: «كلّ من بايعنا فقد بايعنا بفسخ البيعة الّا هذا الغلام، فإنه بايعنا بعقدها». فقال المأمون: وما فسخ البيعة؟ وما عقدها؟ فقال الرضا×: «عقد البيعة من أعلى الخنصر إلى أعلى الإبهام، وفسخها من أعلى الإبهام إلى أعلى الخنصر».

قال: فأمر المأمون بإعادة الناس إلى البيعة، وأن يبايعوهم على تلك الصفة التي ذكرها الإمام الرضا× ([11]).

أقول: وإذا صحّ ذلك فإن لليد عملها الخاصّ في عقد البيعة وفسخها؛ ولذلك فقد ذكر الله سبحانه الأيدي في البيعة. وأمّا يده تعالى في هذه البيعة، فإمّا أنْ تكون كنايةً عن يد نبيه| أو خليفته الذي تكون يده فوق يد المبايع له كما ذكر الإمام الرضا×، أو تكون كنايةً عن قدرته جلّ وعلا؛ لأنه ليس بجسم، فلا يجوز أن تنسب له الجوارح والأطراف والعضلات التي منها اليد الجسميّة. بل يجب أن تؤل بما يناسبها بحسب المورد.

يتبع…

 

الهوامش:

([1])المائدة: 6.

([2]) رائق الضمير 2: 380 ـ 383.

([3]) الإسراء: 29.

([4]) المائدة: 38.

([5]) المائدة: 28.

([6]) بالباطل.

([7]) البقرة: 79.

([8]) الروم: 41.

([9]) الفتح: 10.

([10]) حياة الإمام الرضا×: 303.

([11]) روي في مصادر اُخرى، منها علل الشرائع 1: 239/ ب 174 ح1، بحار الأنوار 49: 144، 64: 185، وغيرهما.

الكاتب الشيخ عبد الحميد المرهون

الشيخ عبد الحميد المرهون

مواضيع متعلقة