شرح دعاء كميل (44)
﴿لا إِلَه إِلّا اَنْتَ﴾
أي لا معبود إلّا أنت؛ إذ لكلّ موجود نصيب من المعبودية، من حيث الاحتياج إليه في نظام العالم، وإن كان معبُوديّته أيضاً باعتبار وجه الله الذي هو في كلّ شيء وفي الحقيقة ليس سوى ذاته ووجهه تعالى مألوه، وموصوف بأنّه محتاج إليه، كما قال المولويّ&:
آنچه در چشم جهان بينت نكوست | ||
عكس حُسن وپرتو احسان او است | ||
گر بر آن احسان وحسن اي شناس | ||
از تو روزي در وجود آيد سپاس | ||
در حقيقت آن سپاس او بود | ||
نام اين و آن لباس او بود([1]) | ||
ديدهاي خواهم كه باشد شه شناس | ||
تا شناسد شاه را در هر لباس([2]) | ||
ومن أسمائه: «يَا مَنْ لَا يُعْبَدُ إِلَّا إِيَّاه»([3]).
والحال أنّ المعبودات الباطلة كثيرة: من الأصنام والأحجار والأشجار، والكواكب والنيران، والصور والطيور، حتّى الكلاب والقطاط، والدراهم والدنانير، والنساء والبنات والبنين، والخيول والبغال والحمير. وبالجملة، أكثر الأشياء أو جميعها بوجه.
فمعنى هذا الاسم الشريف: أنّه وإن عَبَد القاصرون والكافرون كلٌّ معبوداً خاصاً، بزعمهم الباطل واعتقادهم الكاسد الراجل، ولكن في الحقيقة ما عبدوا إلّا وجهه الكريم، وفيضه القديم العميم الذي أشار إليه في القرآن الحكيم: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾([4]). وما خلا وجهه تعالى داثر زائل وفاسدٌ باطلٌ.
كلّ شيء ما خلا الله باطل إنّ فضل الله غيم هاطل([5])
وقال لبيد:
ألا كلّ شيءٍ ما خلا الله باطل وكلّ نعيم لا محالة زائل([6])
ولذا قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ﴾([7]).
أي أمعنوا أنظاركم حتّى تعرفونني أولاً، ثم اعبدوني، ولا توقعوا أنفسكم بسَبَب عدم معرفتي في عبادة الشياطين، ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾([8]).
فالعارف النّاقد البصير وإن احتاج إلى الأشياء ما دام في هذا العالم، ولكنّه يعلم أنّ المحتاج إليه في الجميع وللجميع واحد، و نِعمَ ما قيل:
عارف حق شناس را بايد در حوائج خداي را بيند |
كه به هر سو كه ديده بگشايد جز شهود خداي نگزيند([9]) |
بل هو يعلم أيضاً أنّه في وجوده وصفاته وحوله وقوّته يفتقر إليه تعالى، وهو عبده الذي لا يملك شيئاً من الوجود وتوابعه، العبد وما في يده كان لمولاه.
يتبع…
الهوامش:
([1]) شرح الأسماء الحسنى 1: 87.
([2]) تفسير ونقد وتحليل المثنوي(الجعفري) 1: 195.
([3]) المصباح (للكفعمي): 252. البلد الأمين: 405. بحار الأنوار 91: 389 .
([6]) الأغاني 15: 250. ربيع الأبرار 2: 243.
([9]) هفت اورنك جامي ـ الدفتر الأول من سلسلة الذهب.