شرح دعاء الصباح 49
﴿أمْ كَيفَ تُخَيِّب مُستَرشِداً قَصَدَ إلى جَنابِكَ ساعِياً﴾
«أم» منقطعة. و«كيف» استفهاميّة. و«الخيبة»: المحروميّة. و«الجناب» ـ بالفتح والكسر ـ: الفِناء. وفي «السّعي» إيماءٌ إلى حذف مضاف، أي إلى فناء بيتك الّذي هو الكعبة المقصودة للكلّ. والنُّسَخُ الّتي رأينا: «ساعياً» بالياء المثناة من تحت فيكون من الموازنة كقوله تعالى: ﴿وَنَمارِقُ مَصفُوفة * وَزَرابيُّ مَبثُوثَة﴾([1])، وقوله:
هُو الشَّمسُ قَدراً والمُلُوك كَواكِبٌ |
هُوَ البَحرُ جُوداً والكِرامُ جَداوِلٌ |
وفي بعض النّسخ: «ضاقياً» ـ بالضّاد المعجمة، والقاف، والياء المثنّاة من تحت ـ من «ضقيتْ داره»، أي قربت. وظنّي أنّ «ساغباً» ـ بالغين المعجمة، والباء الموحّدة ـ أنسب لفظاً، والمعنى ليس بأدون من الأوّل، ولنظام هذا الدّعاء المبارك أشدّ اطّراداً؛ من حيث التسجيع، ثمّ من حيث التسجيع بثلاثة أسجاع أو أكثر الّذي هو سياق أكثر فقراته؛ فيكون في القولين: أعني: «قصد إلى جنابك ساغباً» و«ورد إلى حياضك شارباً» ترصيع([2])، ولعلّه كان في الأصل هكذا، ثمّ حرّف. ومعلوم أنّ السّجع والتّرصيع أولى من الموازنة، والمعنى أيضاً غير مقدوح. وفي القاموس: «سغب ـ كفرح، ونصر ـ سغباً وسغابةً وسغوباً ومسغبةً: جاع، أو لا يكون إلّا مع تعب، فهو ساغب وسغبان وسغب وهي سغباء وجمعها سغاب».
وأيضاً فيه مراعاة النظير؛ لتناسب «السغب»، و«الظّمأ».
يتبع…
الهوامش:
([2]) الترصيع: أكثره في الشعر، ويأتي في النثر، وهو أن يُتوخّى تصيير مقاطع الأجزاء في البيت على سجع من جنس واحد في التصريف. أو هو مقابلة كل لفظة من صدر البيت، أو فقرة النثرة على وزنها ورويّها، وهو مأخوذ من مقابلة ترصيع العقد. انظر: العمدة في محاسن الشعر وآدابه: 71، البديع في نقد الشعر: 25، خزانة الأدب 2: 409.