شيخ البطحاء

img

أبو طالب عليه السلام

بح صوت ملّ التاريخ من سماع كلماته التي كانت كالسهام التي تنشب في صدره… صوت لازال يتردد… ويتردد… يصطدم بالجدران… بالأبواب… بكل ما يواجه في طريقه… ذلك الصوت المبحوح ما إن يصطدم يقلوبنا حتى نراها.. تهتف له مشجعة بالاستمرار.. فيما يفعله… تدعو له دعاءاً صامتاً… إنه صوت الزمان الذي لا زال إلى اليوم… يتهم التاريخ بتهمة… لا تفلح كل وسائل العقاب في مجازاته… أيها الظالم… هلا أغلقت سجلاتك… التي ما حملت بين طياتها إلا الكذب.. كفاك تدليساً.. كفاك… لأن الحقيقة وإن حجتها سحبك السوداء.. لابد وأن تظهر… نعم أيها التاريخ… لازلت تقول أن أبا طالب كافر… ولكن الحقيقة لزالت تصرخ فينا تحذرنا من سماع صوتك… لازلت تسيء له في كل شيء.. لا لشيء إلا لأنه أبو الإمام علي (عليه السلام)… الشخص الذي تشبعت سجلاتك بالظلم له.. ولذريته.. لا لشيء إلا أنه جد الأئمة الأطهار.. القادة الأنوار.. الذين أذهب اله عنهم الرجس رغم كونهم أطهار… كفاك ظلماً أيها التاريخ.. ومهلاً… مهلاً.. فإن الله يمهل ولا يهمل.. فهذا قلم ليمثل دبابة تهاجم مقولاتك الكاذبة… ليهاجمها بوابل من الكلمات المسلحة (من فكر الأدباء العلماء) التي لم ولن توفي هذه الشخصية العظيمة حقها… فلتقرأ أيها التاريخ… وليمت كاتبوك حنقاً وغيظاً… وليذهبوا على الجحيم.. إلى حيث سبقهم أجدادهم والله هو العدل الحكيم…

أولاً: نسبه ونشأته:

أسمه: أبو طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مره بن كعب.

أمه: فاطمة بنت عمرو من نبي مخزوم.

والده: عبد المطلب أول من طيب غار حراء بذكر الله، فإذا استهل شهر رمضان صعد حراء وأطعم المساكين ورفع من مائدته إلى الطير والوحوش في رؤوس الجبال… وهو وحده الذي يدبر أمر السقاية ورعاية الحجاج، فقد حفر بئر زمزم بين الوثنين بعدما جاءه الهاتف: “احفر زمزم، لا تنزف ابداً ولا تذم، تسقي الحجيج الأعظم وهي بين الفرث والدم عند نقرة الغراب الأعصم عند قرية النحل..”

وهو ذلك الزعيم المطاع والرجل المهوب والذي لقب بالفياض ومطعم السماء وهو عميق الإيمان، لم يفارق الحنيفيه البيضاء ولم يخالجه الشك في ما جاءت به ملة إبراهيم (عليه السلام) وصدق دعوته التي وحد فيها الرب الأعظم، فهو يرفض أن يسجد لصنم وإنه ليحرم الخمر على نفسه ويحرم نكاح المحارم، ويحدد الطواف بالبيت سبع مرات بعد أن كانت غير محددة، ويحرم والزنا، وينهى عن الموؤدة، وأن يؤكل ما ذبح على النصب، ويسن الوفاء بالنذر، ويجئ الإسلام فيقر كل هذه السنن التي سنها عبد المطلب..

وقد كان يقول: “والله إن وراء هذه الدار دار يجزى فيها المحسن بإحسانه، ويعاقب المسيء بإساءته” إيماناً منه بالبعث والنشور… ولا عزو في ذلك… فقد حمل صلبه نور محمد ونور علي.. نقل الناس كافة عن رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (نقلنا من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الزكية، فوجب بذلك أن يكون آباؤهم كلهم منزهين عن الشرك)[1]

وأسندوا خبراً إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (قال لي جبرائيل: إن الله مشفعك في ستة: بطن حملتك “آمنه بنت وهب” وصلب أنزلك “عبد الله بن المطلب” وحجر كفلك “أبي طالب” وبيت آواك “عبد المطلب” وأخ كان لك في الجاهلية..)[2]

ومما يدل على معرفه عبد المطلب بحال الرسالة وشرف النبوة أن أهل مكة لما أصابهم ذلك الجدب العظيم اقطع فيها الغيث عن مكة، ففزع جمع من بطون مكة لعبد المطلب لعله يسأل الله تعالى فيهم، فكان عبد المطلب عند وعده لهم، فيأمر ابنه أبا طالب أن يحضر المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو رضيع في قماط..

وها هو ذا في عرفات والناس وولده حوله وفي حجر الحبيب محمد اليتيم (صلى الله عليه وآله وسلم) فيضع في يديه ويستقبل الكعبة، ورماه نحو السماء وناجى ربه بقلب يطفح بالعقيدة: (يا رب بحق هذا الغلام”، ورماه ثانياً وثالثاً وكان يقول: “بحق هذا الغلام اسقنا غيثاً مغيثاً دائماً هطلا).. فإذا بسحابه دكناء  قصدت نحوه وهي جواب دعوته تحول الجدب إلى خضب. فاستسقاء عبد المطلب وابنه سيد الأبطح بالنبي الأعظم يوم كان (صلى الله عليه وآله وسلم) طفلاً رضيعاً يعرب عن توحيدهما الخالص، وإيمانها بالله وعرفانهما بالرسالة الخاتمة وقداسة صاحبها من أول يومه، ولو لم يكن لهما إلا هذان الموفقان لكفاهما ذلك فخراً وحجة دامغة على إيمانهما.

كما إن انتماء الرسول إليه ومباهاته به يوم حنين بقوله:

أنا النبي لا كذب                  أنا ابن عبد المطلب

أكبر دليل على فخره واعتزازه بجده المؤمن المخلص والموحد الحنيفي..

وكثيراً ما كان يختلي عبد المطلب بولده أبو طالب ويحدثه ويوصيه به قائلاً: يا أبا طالب إن لهذا الغلام لشئناً عظيماً،… انصره بيدك ولسانك ومالك”.

ويقول له: “قد خلقت في أيديكم الشرف العظيم الذي تطئون به رقاب الناس”

ولذا فان أبو طالب قد ارتشف من أبيه حب النور المحمدي زلالاً…

وعاهد ربه أن يقدم روحه التي هي أغلى ما لديه فداء لذلك النور..

أما عن زوجته وأولاده:

زوجته هي فاطمة بنت أسد بن هاشم، التي تجتمع معه في النسب في هاشم وكانت من الهاشميات الفواضل في الكمال والتربية، ولم يتزوج في الكمال والتربية، ولم يتزوج غيرها.

وقد أنجب أبو طالب من الأولاد الذكور طالب وعقيل وجعفر وعلي وهو أصغر هم سناً، وبنتاً وهي أم هانئ.

وبعد وفاة والده… كان الشخصية الأولى التي تحفل بكل مقومات الزعيم بعد أبيه على العلم إنه ليس أكبر إخوته ولا أكثرهم مالاً ولكنه كان الذي قد ورث ملامح والده وخصائصه وانتهج منهجه، فقام بواجبه من سقاية الحجاج، والسدانة.

الهوامش:

[1]  البحار: ج 35، ص 156 رواية 85، باب 3

[2] البحار: ج 35 ص 156 رواية 85، باب 3.

الكاتب ــ ــ

ــ ــ

مواضيع متعلقة