حول الإنسان/ القلب (30)
ومنها أنه محلّ الحمية واللهو؛ فأمّا أنه محلّ الحمية فيبيّنه قوله تعالى: ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾([1])، وأمّا أنه محلّ اللهو فيبيّنه قوله تعالى: ﴿لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ﴾([2]).
ومنها: أنه محلّ الرين والخشوع فأمّا أنه محلّ الرين فيبينه قوله تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾([3]). وفي كتاب (الواعظ) عن الإمام الباقر× أنه قال: «ما من مؤمن إلّا وفي قلبه نكتة بيضاء، فإن أذنب ذنباً خرج من تلك النكتة البيضاء نكتة سوداء، فإن تمادى في الذنوب اتّسع ذلك السواد حتى يغطّي البياض، وحينئذٍ لم يرجع إلى خير أبداً، وذلك قوله تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾([4]).
وعنه× أيضاً أنه قال: «إذا أذنب الرجل خرجت في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب انمحت، وإن زاد زادت حتى تغلب على قلبه، فلا يفلح بعدها أبداً»([5]).
وأمّا أنه محلّ الخشوع فيبيّنه قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ﴾([6]).
ومنها أنه محلّ العقل والعمى والفهم؛ فأمّا أنه محلّ العقل والعمى فيبيّنه قوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾([7]). وروي عن الإمام الصادق× أنه كان كثيراً ما ينشد:
علم المحجّة واضحٌ لمريده ولقد عجبت لهالك ونجاته |
وأرى القلوب عن المحجّة في عمى موجودة ولقد عجبت لمن نجا([8]) |
وأمّا أنه محلّ الفهم فيبيّنه قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا﴾([9]).
ومنها أنه محلّ التدبّر والتذكّر؛ فأمّا أنه محلّ التدبّر فيبيّنه قوله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾([10])، وأمّا أنه محلّ التذكّر فيبيّنه قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾([11]).
ومنها أنه محلّ التعمّد والريب والحسرة؛ فأمّا أنه محلّ التعمّد فيبيّنه قوله تعالى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾([12])، وأمّا أنه محلّ الريب فيبيّنه قوله تعالى: ﴿وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ﴾([13])، وأمّا أنه محلّ الحسرة فقد بيّنه قوله تعالى: ﴿لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ﴾([14]).
ومنها أنه محلّ الإقبال والإدبار، ففي (نهج البلاغة) عن أمير المؤمنين× أنه قال: «إن للقلوب إقبالاً وإدباراً، فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل، وإذا أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض»([15]).
ومنها أنه محلّ التذكّر والنسيان؛ ففي الحديث عن النبي| أنه قال: «إن الشيطان واضعٌ خطمه على قلب ابن آدم؛ فإذا ذكر الله خنس عنه، وإذا نسي التقم قلبه؛ فذلك هو الوسواس الخنّاس»([16]).
ومنها أنه محلّ العلم والجهل والحفظ والنسيان والذكاء والبلاهة والحياة والموت، ولذا قال أمير المؤمنين× لكميل بن زياد النخعي: «يا كميل، القلوب أوعية، وخيرها أوعاها»([17]).
وقال×: «من قلّ ورعه مات قلبه، ومن مات قلبه دخل النار»([18]).
وعن الرضا× أنه قال: «من جلس مجلساً يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت فيه القلوب»([19]).
وعن بعضهم^ أنه قال: «القلوب أربعةٌ: قلبٌ فيه نفاقٌ وإيمانٌ، فإذا أدرك الموت صاحبه على نفاق هلك، وإذا أدركه على إيمان نجا. وقلبٌ منكوس، وهو قلب المشرك. وقلب مطبوع، وهو قلب المنافق. وقلب أزهر، فيه مصابيح تزدهر لايطفأ نوره إلى يوم القيامة؛ إن أعطاه الله شكر، وإنْ ابتلاه صبر، وهو قلب المؤمن»([20]).
وبالجملة، فإن القلب محلّ لكلّ شيء من الخير والشر؛ ولذلك فإن الإنسان مسؤولٌ عنه يوم القيامة، قال تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾([21]). وفي (الواعظ) عن الإمام الصادق× أنه قال: «يُسأل السمع عمّا سمع، والبصر عمّا نظر إليه، والفؤاد عمّا عقد عليه»([22]).
وإنما سمي القلب قلباً لتقلّبه، قال الشاعر:
وما سمّي الإنسان إلّا لُانسه | ولا القلب إلّا أنه يتقلّب([23]) |
ولتعلّق القلب المعنوي بالقلب المادّي جمع أمير المؤمنين× بينهما في كلماته التي جاءت عنه في (نهج البلاغة) حيث قال×: «لقد علق بنياط هذا الإنسان بضعةٌ هي أعجب ما فيه، وذلك هو القلب. وله موادٌ من الحكمة، وأضداد من خلافها؛ فإن سنح له الرجا أذلّة الطمع، وإنْ هاج به الطمع أهلكه الحرص، وإنْ ملكه اليأس قتله الأسف، وإنْ عرض له الغضب اشتدّ به الغيظ، وإنْ أسعده الرضا نسي التحفّظ، وإن ناله الخوف شغله الحذر، وإنْ اتّسع له الأمن استلبته الغرّة، وإنْ أفاد مالاً أطغاه الغنى، وإنْ أصابته مصيبةٌ فضحه الجزع، وإنْ عضّته الفاقة شغله البلاء، وإنْ جهده الجوع قعد به الضعف، وإنْ أفرط به الشبع كظّته البطنة. فكلّ تقصير به مضرٌ، وكل إفراطٍ له مفسدٌ»([24]).
وبالجملة فهو إمام الجوارح كما في مناظرة هشام بن الحكم لعمرو بن عبيد وقد تقدم ذكرها في المجلس السابق.
الهوامش:
([4]) الواعظ 5: 262، وانظر الكافي 2: 273 / 20.
([8]) الأمالي (الصدوق): 587 / 792.
([15]) نهج البلاغة / الحكمة: 312.
([17]) شرح الأخبار 2: 369 / 732.
([18]) نهج البلاغة / الحكمة: 349.
([19]) مسند الإمام الرضا× 1: 105 / 44.
([22]) الواعظ ؟: ؟؟، وانظر الكافي 2: 37 / 2.