شرح دعاء الصباح 40
ويدخل في «تسويل الظنون» جميع أصناف المغالطة المشروحة في كتب أهل العلم: كإيهام الانعكاس، والمصادرة، واشتراك اللفظ، وأخْذ ما بالعرض مكان ما بالذّات، وبالعكس، وسوء التأليف، وغيرها؛ فإنّ من الاُمور ما هو حقّ ومنه ما هو مشبَّهٌ به. وكما أنّ من المسمّى بالإنسان ما هو إنسانٌ حقيقي، ومنه ما هو شبح الإنسان، ومن الجماد ما هو فضّةٌ، ومنه ما هو مفضَّض، كذلك من المسمّى بالحكيم أو العالم من هو مبرهن بالحقيقة، ومنه [من]([1]) هو مموِّه ومزوِّر. ومن القياس ما هو حقٌّ، ومنه ما هو سفسطيٌّ أو مُشاغبيٌّ، وهو قياس يرى أنّه موافق للحقّ ونتيجته توافق الحقّ وليس كذلك، وموافق للمشهُور ونتيجته توافق المشهور وليس كذلك.
ولا بدّ من مشابهة بالحقّ موجبة للترويج، ولهذه المشابهة والترويج أسباب كثيرة مشروحة في فنّ المغالطة. وتسمّى هذه «موازين الشيطان»([2])، كما أنّ «ميزان التلازم» و«ميزان التعاند» و«ميزان التّعادل» بأقسامه الثلاثة: الأكبر والأوسط والأصغر «موازين الرّحمن». فمن موازين الشيطان المُسوِّلة المُشبَّهة بميزان التّعادل الأكبر من موازين الحقّ قول نمرود على ما حكى الله عنه: ﴿أنَا اُحيي وَاُمِيتُ﴾([3])، وكلّ من يُحيي ويُميت فهو الربّ. أو من المشبّه بميزان الأوسط؛ إنْ قُرِّر هكذا: «أنّا اُحيي واُميت، والله يحيي ويميت»، ومثله: ﴿هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ﴾([4])، والإله هو الأكبر بناءً على زعم قوم الخليل. وهكذا في كلّ موضع اشترك شيئان في وصف واحد. والفساد في الجميع من باب سوء التأليف، وفساد الصورة دون المادّة. والجميع مُشبَّهة بميزان الحقّ، وهو أنّ كلّ شيئين وصف أحدهما بوصف يسلب ذلك الوصف عن الآخر، فهما متباينان، مسلوب أحدهما عن الآخر، كقول الخليل× على ما حكى الله تعالى عنه: «الكوكب آفل وربّي ليس بآفل».
يتبع…
الهوامش:
([1]) في النسخة الحجرية: «ما»، ولا وجه من الوجوه المذكورة لاستعمالها في العموم وارد هنا.
([2]) جملة موازين الشّيطان ثلاثة عشر، وأمّا موازين الرّحمن فهي خمسة والمجموع ثمانية عشر بعدد الموزونات من العوالم الثمانية عشر ألفاً؛ إذ يوزن بها الكلّ؛ سواء كانت أحكام ذواتها وجواهرها، أو صفاتها وأعراضها. وقد بسطنا الكلام في الموازين في «شرح الأسماء» [شرح الأسماء الحسنى 1: 152] عند الكلام على الاسم المبارك: «يا من في الميزان قضاؤه» [المصباح (الكفعمي): 252، بحار الأنوار 91: 389]. منه.