شرح دعاء الصباح 38
والذّنب هناك الماهيّة والإمكان الذّاتي؛ إذ لولاها لما اُضيف الوجود إليها، ولم يحصل المباعدة؛ لأنّ مناط السوائيّة شيئيّة الماهيّة، ورحى الامتياز في العقول الكليّة المفارقة الّتي هي أوائل سلسلة المبادئ تدُور عليها. وأيضاً ذنب تعلّق النّفس بالبدن والتوجّه إلى عالم الصّورة بعدما كانت عقلاً قائماً بين يدي الله. وهذه ذنوبٌ تكوينيّة لا تشريعيّة؛ إذ لم يكن تكليف تشريعي بعدُ، وهذا تأويل خطيئة آدم× الموجبة لإخراجه عن الجنّة.
وَجهٌ آخَر([1]) للوصال الأوّل
إنّ للماهيّات التي يقال لها «الأعيان الثابتات» في عرف العرفاء أكواناً سابقات وبرزات في مراتب كامنات:
فأوَّل بُروزها ظهورُها في علم الله، وثبوتُها تابعة لأسمائه الحسنى، وصفاته العليا الموجودة بوجود واحد بسيط لم يكن فيه جهةٌ وجهة، وشيءٌ وشيءٌ، وهو وجود ذات الله بَهرَ نورُه.
وَثاني بُروزها في قلمه الأعلى بنحو واحد جمعي دون الوحدة الحقّة الحقيقيّة الّتي [هي] لخالق اللوح والقلم، كجمعيّة الحروف([2]) المتكثّرة المتخالفة في مداد رأس القلم الجسماني بين إصبعَي الكاتب البشري.
وهكذا لها ظهورات في اللّوح المحفوظ إلى لوح المحو والإثبات والنفس المنطبعة الفلكيّة بنحو التّغاير، والتّغيّر لتغير القابل صفةً بل ذاتاً بنحو تجدّد الأمثال، ثمّ يظهر في عالم العين ولوح القدر العيني، وهو نشأة الفراق وعالم الفرق بل فرق الفرق؛ لأنّ عالم المُثل المعلّقة وصور النفس المنطبعة الفلكيّة الّتي للفلك بإزاء الخيال منها عالم التقدّر والتشبّح والنشآت الّتي فوقهما دور الوصال؛ لأنّها اُولات وحدة جمعيّة، ولاسيّما الأقلام وقلم الأقلام، فإنّها من صقع الرّبوبيّة، باقية ببقاء الله، موجودة بوجوده كما مرّ.
وأمّا الوصال الّذي قدامك وأمامك، فهو الاتّحاد بالعقل الكلّي الّذي مرّ في كلام سيّد الأولياء علي× وقد مضى شطرٌ من أحكامه، والتخلّق بأخلاق الله تعالى المعبر [عنه] بـ«جنّة الصّفات» والتحقّق به، وذنبُه المبعِّد عن رَوْحِ الوصال([3]). وريحان اللِّقاء: الوقوعُ في حَبائل «جنّة الأعمال»، وشُركِ الشِّرك الخفيّ، قال النّبي|: «دبيب الشِّركِ في أُمَّتي أخفى مِن دَبيبِ النّملَة السّوداء عَلَى الصَّخرِةَ الصَمّاء في اللّيلَةِ الظّلماءِ»([4]). وفي بعض النّسخ: «المَلساء»([5]) بدل: «الصَّمّآء».
يتبع…
الهوامش:
([1]) الفرق بين الوجهين أنّ في الأوّل كان الكلام في النّفوس والأرواح وفي كينونتها الوجوديّة، وفي هذا الوجه الكلامُ في الكينونة السّابقة العلميّة في جميع الأشياء، وأيضاً في شيئيّة ماهيّاتها فقط. منه.
([2]) فكما أنّ جميع الحروف الكتبيّة مع اختلاف أشكالها منطوية بنحو الوحدة والبساطة في نقطة مداد رأس القلم، فكذلك الحروف التكوينيّة بأعيانها ثابتة بوجود واحد للقلم الأعلى الرّوحانيّ الذي بين إصبعي الجمال والجلال للمصوّر الرّباني، ثم تكثّرت منه الأرقام في الصّحف المكرّمة الطوليّة، وفي صحائف الأعيان العرضيّة، فـ«قاف» القدرة تنزّلت وصارت «قاف» القلم، وقاف القلم صارت القلب، فظهرت قاف القرآن المجيد قال تعالى: «ق والقرآن المجيد».
چو «قاف» قدرتش دم بر قلم زد | هزاران نقش بر لوح عدم زد |
منه.
([3]) عدّه ذنباً من باب: «حسنات الأبرار سيئات المقرّبين» والاكتفاء به من باب القياس الأولَويّ؛ فإنّه إذا كان هذا ذنباً مبعّداً، [فـ]كيف تكون الأعمال الباطلة والشرك الجليّ؟ منه.