الأدب العربي في واقعة الطف
زاوية اللغة العربية
قال رسول الله (ص) في حديث الثقلين: (أيها الناس: إني مخلف فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي وأرومتي، ومزاج مائي وثمرتي، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، وإني لا أسألكم إلا ما أمرني ربي أن أسألكم المودة في القربى، فانظروا لا تلقوني غدا على الحوض وقد أبعضهم عترتي وظلمتموهم).
لقد أوصى الرسول (ص): بعترته الأطهار في الكثير من الموارد التي تؤكد على ضرورة التمسك بهم والسير على نهجهم، كما أنه أكد على ضرورة نصرة حفيدة وفلذة كبده أبي عبد الله الحسين (ع) لمن حضر واستطاع نصرته من أمته؛ لما سيجري عليه وعلى أهل بيت من قتل وسبي وهتك للحرمات، وقد حق للأدب العربي أن يخلد ما جرى في تلك الواقعة الأليمة على مر الدهور ليبقى الحسين (ع) وتبقى ثورته مخلدة، ولتسقط طموحات أعداء الحسين وأعداء العترة الطاهرين في أسفل السافلين، فما كان من أدبائنا وعلمائنا الأجلاء إلا أن أنشدوا الأشعار حباً في الحسين (ع)، ورغبة منهم للحصول على ما أملهم به الإمام الصادق (ع) بقوله: (ما من أحد قال في الحسين شعرا فبكى وأبكى به، إلا أوجب الله له الجنة وغفر له).
السيد الرضي:
لقد أنشد السيد (ره) أبياتا في الحسين (ع) الذي بكاه جده رسول الله (ص) قبل قتله، ولو كان حياً بعد قتله لبكاه:
ميت تبكي له فاطمة
وأبوها وعلي ذو العلى
لو رسول الله يحيى بعده
جلس اليوم عليه بالعزا
الناشي:
وهو علي بن عبد الله بن وصيف الحلاء البغدادي المتوفى سنة 365 ھ، فقال:
بني أحمد قلبي لكم متقطع
بمثل مصابي فيكم ليس يسمع
عجبت لكم تفنون قتلا بسيفه
ويسطو عليكم من لكم كان يخضع
فما بقعة في الأرض شرقاً ومغرباً
وليس لكم قتيل ومصرع
ظلمتم وقتلتم وقسّم فيئكم
وضاقت بكم أرض فلم يحم موقع
كأن رسول الله أوصى بقتلكم
فأجسامكم في كل أرض توزّع
جسوم على البوغا ترمّى وأرؤس
على أرؤس اللدن الذوابل ترفع
توارون لا تأوي فراشاً جنوبكم
ويسلمني طيب الهجوع فاهجع
الحميري:
ذكر أبو هارون المكفوف أنه دخل على الإمام الصادق (ع)، فقال: (أنشدني في جدي الحسين (ع) شعرا)، قال: فأنشدته أبيات السيد الحميري (ره):
يا راكباً هيماء مرقالاً
جسورا شدقميه
بالله إن شمت العراق
وجئت أرض الغاضريه
أمرر على حدث الحسين
وقل لأعظمه الزكية
يا أعظما لازلت من
وطفاء ساكبة روية
ما لذ عيش بعد رضّ
بالخيول الأعوجية
فبكى الإمام الصادق (ع)، وقال: (زدني يا أبا هارون، وأنشدني كما تنشدون بالرقة)، قال: فأنشدته:
يا مريم نوحي على مولاك
وعلى الحسين ألا أجهشي ببكاك.
فصرخت مريم بنت الصادق (ع): وا جداه وا حسيناه، بكت وبكى الإمام (ع) وتهايج الناس فلما سكتوا قال الإمام (ع): (يا أبا هارون من أنشد في جدي الحسين، فأبكى عشرة فله الجنة، ثم جعل ينقص واحداً إلى أن قال: من أنشد فأبكى واحداً فله الجنة، ثم قال: ومن ذكره فبكى فله الجنة).
جعفر بن عفان:
حيث دخل على الإمام الصادق (ع) فقربه وأدناه، ثم قال: يا جعفر، قال لبيك يا مولاي، قال: بلغني أنك تقول الشعر في الحسين وتجيد. فقال: نعم جعلني الله فداك. قال: قل. فأنشدته فبكى حتى صارت الدموع على وجهه ولحيته وبكى كل من حوله. فقال (ع): (يا جعفر: لقد شهدت ملائكة الله المقربون هاهنا يسمعون قولك في الحسين (ع)، ولقد بكوا كما بكينا وأكثر ولقد اوجب الله لك في ساعتك الجنة بأسرها، وغفر لك. ألا أزيدك يا جعفر؟ قال: بلي يا سيدي، قال: ما من أحد قال في الحسين شعراً فبكى وابكي به، إلا أوجب الله له الجنة وغفر له).
وكان مما أنشده للإمام (ع):
لبيك على الإسلام من كان باكيا
فقد ضيعت أحكامه واستحلت
غداة حسين للرماح دريئة
وقد نهلت منه السيوف وعلّت
أذاقته حر القتل أمة جده
هفت نعلها في كربلاء وزلت
فلا قدس الرحمن أمة جده
وأن هي صامت للإله وصلت
كما فجعت بنت النبي بنسلها
وكانوا حماة الحرب حتى استقلت
دعبل الخزاعي:
وهو من أصحاب الإمام الرضا (ع)، حيث دخل الإمام (ع) في أيام عشرة المحرم وفرحب به وأدناه، وقال: (مرحباً بناصر بقلبه ولسانه) ثم قال: (يا دعبل أحب أن تنشدني في جدي الحسين (ع) شعراً، فإن هذه الإيام أيام حزن علينا أهل البيت، وأيام سرور على أعدائنا خصوصاً بني امية). ثم نهض وضرب ستراً واجلس أهل بيته من خلفه، وأمر دعبل فأنشد إلى أن قال:
أفاطم لو خلت الحسين مجدلاً
وقد مات عطشاناً بشط فرات
إذا للطمت الخد فاطم عنده
أجريت دمع العين في الوجنات
فبكى الرضا (ع) وقال: (بنفسي أفدي جدي قتيل العداة وساكب العبرات).
وهناك العديد ممن بكى الحسين بأبيات أبكت القلوب وألهبت المشاعر في رزء الحسين (ع)، منهم: جابر بن عبد الله الأنصاري، وزيد بن أرقم، وسهل بن سعيد الساعدي وغيرهم.
فالسلام عليك يا أبا عبد الله، وعلى الأرواح التي حلت بفنائك وأناخت برحلك عليك مني سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار وعلى آلك الطيبين الطاهرين