صلاة الليل

img

نتابع معكم أعزائي حلقاتنا في فلسفة العبادات وأسرارها المعنوية، وبعد أن تكلمنا في العدد الخامس عشر عن تسبيحة الزهراء، نتكلم لكم في هذا العدد عن صلاة الليل، والتي تعتبر من النوافل المؤكدة…

صلاة الليل، وما أدرك ما صلاة الليل! هي نور من الظلمة، وأنس من الوحشة، وخلوة من الكثرة.

وعن الصادق ×: (إنها مرضات للرّب وحبّ الملائكة، وسنّة الأنبياء، ونور المعرفة، وأصل الإيمان وراحة الأبدان، وكراهة الشيطان، وسلاح الأعداء، وإجابة الدعاء، وقبول الأعمال، وبركة في الرزق، وشفيع بين صاحبها وبين ملك الموت، وسرّاج في قبره، وفراش تحت جنبه، وجواب على منكر ونكير، ومؤنس وزائر في قبره إلى يوم القيامة، وإذا كان يوم القيامة كان ظلاً فوقه، وتاجاً على رأسه، ولباساً على بدنه، ونوراً يسعى بين يديه، وستراً بينه وبين النار، وحجّة بينه وبين الله تعالى، وثقلاً في الميزان، وجوازاً على الصراط، ومفتاحاً للجنة).

كما أنها شرف المؤمن، وتورث صحة البدن، وهي كفارة لذنوب النهار ومزيلة لوحشة القبر، تبيِّضُ الوجه وتطيب النكهة، وتجلب الرزق، وأن المال والبنون زينة الحياة الدنيا، وثماني ركعات من آخر الليل، والوتر زينة الآخرة.

صفة صلاة الليل:

أما صفة صلاة الليل على طريقة سهلة وجيزة يتيسر لكل أحد أداؤها فهي كما يلي:

إذا انتبهت من النوم فاسجد لله تعالى، ويحسن أن تقول في سجودك أو عند رفع رأسك منه: (الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور، الحمد لله الذي رد عليّ روحي لأحمده وأعبده). فإذا قمت ووقفت فقل: (اللهم أعني على هول المطلع، ووسع عليّ المضجع، وارزقني خير ما بعد الموت).

فإذا سمعت صياح الديك فقل: (سبوحٌ قدوس رب الملائكة والروح، سبقت رحمتك غضبك لا إله إلا أنت عملت سوء وظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فتب عليّ إنك أنت التّواب الرحيم).

فإذا نظرت إلى أطراف السماء فقل: (اللهم إنه لا يواري منك ليل ساجٍ، ولا سماء ذات أبراج، ولا أرض ذات مهاد، ولا ظلمات بعضها فوق بعض، ولا بحر لجّي تدلج بين يدي المدلج من خلقك تدلج الرحمة على من تشاء من خلقك: تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، غارت النجوم، ونامت العيون، وأنت الحي القيوم، لا تأخذك سنة ولا نوم، سبحان الله رب العالمين وإله المرسلين، والحمد لله رب العالمين).

ثم اتل الخمس آيات آل عمران: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ *الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ* رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَار* رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ* رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾.

فإذا أردت أن تتوجه إلى العبادة واحتجت التخّلي لقضاء الحاجة فابدأ به، فإذا خرجت من الخلوة فابدأ بالاستياك وتوضأ وضوءاً تاماً وتطيب وانهض لصلاة الليل.

وقتها:

ويبدأ وقتها عند انتصاب الليل. وكلما اقترب الوقت من طلوع الفجر الصادق ازدادت فضيلتها، فإذا بان الفجر وكان المصلي قد أتى منها أربع ركعات فليقتصر على الحمد وحدها فيما بقي من الركعات.

كيفيتها:

صلاة الليل ثماني ركعات، يسلم بعد كل ركعتين، ويحسن أن يقرأ التوحيد ستين مرة في الثنائية الأولى، يقرأ بعد الحمد في كل ركعة منهما ثلاثين مرة لكي ينصرف من الصلاة ولم يك بينه وبين الله عز وجل ذنب.

أو أن يقرأ بعد الحمد في الأولى التوحيد وفي الثانية الكافرون، ويقرأ في سائر الركعات ما شاء من السور، ويجزي الحمد والتوحيد في كل ركعة ويجوز الاقتصار على الحمد وحدها.

القنوت:

والقنوت كما هو مسنون في الفرائض مسنون في النوافل، في الركعة الثانية من كل ثنائية من ركعاتها، ويجزي في القنوت أن تقول ثلاث مرات: (سبحان الله)، أو أن تقول: (اللهم اغفر لنا وارحمنا وعاففا واعفُ عنا في الدنيا والآخرة، وإنك على كل شيء قدير)، أو أن تقول: (رب اغفر وارحم وتجاوز عمّا تعلم إنك أنت الأعز الأجل الأكرم).

وروي أن الإمام الموسى بن جعفر × كان إذا قام في محرابه ليلاً قال: (اللهم إنك خلقتني سوياً). وهذا هو الدعاء الخمسون من أدعية الصحيفة الكاملة.

ركعتا الشفع والوتر:

فإذا فرغت من الثمان ركعات صلاة الليل فصلّ الشفع ركعتين والوتر ركعة واحدة، واقرأ في هذه الثلاث ركعات بعد سورة الحمد سورة التوحيد، حتى يكون لك أجر ختمه كاملة من القرآن، فإنّ لسورة التوحيد أجر ثلث القرآن.

أو اقرأ في الأولى من الشفع الفاتحة وسورة الناس، وفي الثنائية الحمد والفلق.

الدعاء:

يستحب أن تدعو إذا فرغت من الشفع بدعاء: (إلهي تعرّض لك في هذا الليل المتعرضون). وهذا الدعاء موجود في كتاب مفاتيح الجنان في أعمال ليلة النصف من شعبان.

فإذا فرغت من ركعتي الشفع فانهض لركعة الوتر واقرأ فيها الحمد وسورة التوحيد ثلاث مرات والمعوذتين، ثم خذ يديك للقنوت وادع بما شئت.

وقال الطوسي رحمه الله: وأدعية القنوت لا تحصى وليس في ذلك شيء موقت لا يجوز خلافه.

ويستحب أن يبكي الإنسان في القنوت من خشية الله والخوف من عقابه، أو يتباكى ويدعو لإخوانه المؤمنين، ويستحب أن يذكر أربعين نفساً منهم فإنّ من دعا لأربعين نفساً من المؤمنين استجيب دعاؤه إن شاء الله، ويدعو بما يشاء.

وروى الصدوق في الفقيه أنّ النبي (ص) كان يقول في الوتر في قنوته (اللهم أهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، بارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي عليك، سبحانك رب البيت، أستغفرك وأتوب إليك، وأؤمن بك وأتوكل عليك، ولا حول ولا قوة إلا بك يا رحيم).

وينبغي أن يقول سبعين مرة أستغفر الله ربي وأتوب إليه، وينبغي في ذلك أن يرفع يده اليسرى للاستغفار ويحصي عدده باليمنى.

وروي أن النبي (ص) كان يستغفر في الوتر سبعين مرة يقول سبع مرات: (هذا مقام العائذ بك من النار).

وروي أيضاً أن الإمام زين العابدين × كان يقول في السحر في صلاة الوتر ثلاثمائة مرة: (العفو العفو).

ثم يقول بعد ذلك: (رب اغفر لي وارحمني وتب علي إنك أنت التوّاب الغفور الرحيم).

وينبغي أن يطيل القنوت، فإذا فرع منه ركع، فإذا رفع رأسه دعا بهذا الدعاء الذي رواه الشيخ في التهذيب عن الإمام موسى بن جعفر عليها السلام: (هذا مقام من حسناته نعمة منك، وشكره ضعيف وذنبه عظيم، وليس لذلك إلا رفقك ورحمتك فإنك قلت في كتابك المنزل على نبيك المرسل صلى الله عليه وآله: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾، طل هُجُعي وقل قيامي وهذا السحر وأنا أستغفرك لذنوبي استغفار من لا يجد لنفسه ضراً ولا نفعا ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً).

ثم يسجد، ويتم الصلاة يسبح بعد السلام تسبيح الزهراء عليها السلام، ثم يقول: (الحمد لربِّ الصباح، الحمد لفالق الإصباح). ويقول (سبحان ربي الملك القدوس العزيز الحكيم) ثلاثاً، ثم يقول: (يا حي يا قيوم يا بر يا رحيم يا غني يا كريم ارزقني من التجارة أعظمها فضلاً وأوسعها رزقاً، وخيرها لي عاقبة فإنه لا خير فيما لا عاقبة له).

وينبغي أن يدعوا بدعاء الحزين، (أناجيك يا موجوداً في كل مكان…) ثم يسجد ويقول خمس مرات: ( سُبُّوحُ قّدّوسٌ ربُّ الملائكة والرُّوح). ثم يجلس ويقرأ آية الكرسي، ثم يهوي إلى السجود ويكرر نفس الذكر خمس مرات.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين

الكاتب زينب آل مرهون

زينب آل مرهون

مواضيع متعلقة