حول الإنسان/القلب (28)
القلب
قال تعالى:
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾([1]).
وقال جلّ من قائل:
﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾([2]).
قال العلماء: القلب نوعان: قلب مادّي، وقلب معنوي:
فالقلب المادي هو تلك القطعة اللحميّة المتدلّية في جوف الإنسان بين الرئتين، والتي تضخّ الدم في الدقيقة الواحدة من سبعين مرة إلى ثمانين مرة، وإلى ذلك أشار الشاعر بقوله:
دقّات قلب المرء قائلة له | إن الحياة دقائق وثوانِ([3]) |
وهو مكوّن من قسمين: القسم الأيمن والقسم الأيسر، وكلّ قسم مكوّن من غرفتين: الغرفة السفلى وتسمى البطين، والغرفة العليا وتسمى الاُذين. فإذا جاء إليه الدم من الجهاز الهضمي استقبله الاُذين الأيمن، ثم نزل منه إلى البطين الأيمن الذي تحت الاُذين الأيمن، فضخّه إلى الرئتين، فتصفّيه الرئتان من ثاني أوكسيد الكاربون، وتزوّدانه بالهواء الطلق الذي تحصلان عليه بواسطة التنفس، ثم تردّانه إلى القلب فينزل في الاُذين الأيسر ومنه إلى البطين الأيسر فيضخّه إلى الجسد بواسطة الشرايين والأوردة. فسبحان الخلّاق العليم.
وقد اكتشف العلم الحديث ان القلب يحتوي على اكثر من اربعين الف خلية عصبية لها دور مهم في الادراك والسلوك والاخلاق وتوجيه الدماغ وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم بقوله ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾([4]).
والنوع الثاني هو القلب الذي تحصل به الذكرى، كما في الآية الاُولى، والذي تحصل فيه السلامة كما في الآية الثانية. وهو متعلّق بهذا القلب اللحمي تعلّق الروح بالجسد؛ إذ لو كان المراد بالقلب الذي في الآية الثانية هو القلب المادّي لكان كلّ من مات بمرض القلب المادّي دخل النار، وهذا أمر غير صحيح. وقد روي عن أبن عيينة أنه سأل الإمام الصادق× عن القلب السليم المذكور في الآية: ما هو؟ فقال الإمام×: «القلب السليم هو الذي يلقى الله وليس فيه أحدٌ سواه»([5]).
أقول: وهذا هو الصحيح وإلّا فمن هو الذي يصدق أن هذا القلب المادي هو الذي يحمل كلّ هذه المعنويات التي منها الحبّ والبغض اللذين أخبر عنهما القرآن الكريم:
فأخبر عن الحبّ بقوله تعالى: ﴿فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ﴾([6])؛ لأن الفؤاد هو القلب، والهواية هي الحب. وقد قال: بعض الشعراء في مدح أهل البيت^ وبيان مدى تعلّق قلبه بهم:
لو فتشوا قلبي رأوا ما به العدل والتوحيد في جانب |
سطرين قد خطّا بلا كاتبِ وحبّ أهل البيت في جانبِ([7]) |
وأخبرنا عن البغض بقوله تعالى: ﴿وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا﴾([8]) ، فإن الغلّ هو البغض؟
ومنها الخوف والرجاء؛ ففي كتاب (الواعظ) عن الإمام الصادق× أنه قال: «ما من مؤمن إلّا وفي قلبه نوران: نور خيفة، ونو رجاء، لو وزن هذا لم يزد على هذا، ولو وزن هذا لم يزد على هذا»([9]) .
وقد جاء في الشعر المنسوب إلى الإمام زين العابدين× قوله:
أتحرقني بالنار يا غاية المنى | فأين رجائي ثم أين مخافتي([10]) |
ومنها الوجل الذي ذكره تعالى بقوله: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾([11]). في كتاب (الدرّ المنثور) ([12]) وغيره([13]) بسند عن اُم المؤمنين عائشة أنها قالت: يا رسول الله، ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾؛ أهو الرجل يزني ويسرق ويشرب الخمر، وهو مع ذلك يخاف الله؟ فقال|: «لا ولكنّه الرجل يُصلّي ويصوم ويتصدّق، وهو مع ذلك يخاف ألّا يقبل الله منه».
وذكره تعالى بقوله: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾([14]).
ومنها الطمأنينة، قال تعالى: ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾([15]).
الهوامش:
([7]) يتيمة الدهر 3: 310، ونسبهما لسبط إسماعيل بن عبّاد، ينابيع المودّة 3: 351 ـ 352، ونسبهما للإمام الشافعي.