شرح دعاء كميل (32)
﴿اللَّهمَّ وَأسأَلُكَ سُؤالَ مَن اشتَدَّت فَاقَتُه﴾
«أسألك» معطوف على «أسألك»، وتكرير لفظ الجلالة للإلتذاذ؛ إذ ذكر الحبيب على الحبيب أحلى، وألذّ من العسل المصفّى الذي نهره في الجنّة موعود المتّقين، بل أهنأ وأمرأ من الخمر التي هي لذّة للشاربين، كما قال الشّاعر:
اعد ذكر نعمان لنا إنّ ذكره | هو المسك ما كرّرته يتضوّع([1]) |
الفاقة والخصاصة والإملاق والمسكنة والمتربة، جميعها بمعنى واحد: هو الإفتقار، يقال: فلان اشتدّت فاقته، أي: بلغت فاقته وحاجته في أمر إلى النهاية، بحيث لا يتصوّر فوقها حاجة وفاقة فيه؛ إذ للاحتياج مراتب مختلفة، بعضها في الشدة واللزوم فوق بعض؛ لأنّ احتياج الإنسان إلى طعامه أشدّ و آكد من احتياجه إلي ملح طعامه، و احتياجه إلي الماء أشدّ من احتياجه إلى القصعة والكوزة، واحتياج الوجودات إلى مقوّمها وقيّومها أشدّ وآكد من احتياجها إلى أنفسها.
ولذا قال الله تعالى: «يا موسى، أنا بدّك اللازم»([2])؛ لأنّه تعالى مقوّم الجميع وقيّومها، والوجودات كلّها روابط محضة وفقراء صرفة، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾([3]).
وربّما كانت الحاجة في شيء واحد ذات مراتب متفاوتة في الشدّة والضّعف، كما إذا احتاج أحدٌ في اللّيل إلى سراجٍ أنار بيته المظلم ولم يمكنه، ثم يخطر بباله أن ينظر إلى كتاب في مسألة، فحينئذٍ يؤكّد احتياجه إلى السّراج، ثم يدخل سارق في بيته للسّرقة، فاشتدّت حاجته إلى السّراج حينئذٍ، ثم يقصد السّارق قتل صاحب البيت، فالحاجة إلى السّراج حينئذٍ بلغت إلى النّهاية ولا يتصوّر فوقها حاجة فيه.
يتبع…
الهوامش:
([1]) انظر: بحار الأنوار 17: 166.
([2]) الحكمة المتعالية 2: 159. شرح الأسماء الحسنى (حاج ملا هادي السبزواري) 1: 163.